رئيس التحرير
عصام كامل

سألت شيخي فقال.. (2)


أهلا بك عزيزي القارئ ولقاء جديد مع حوار من حواراتي مع شيخي رحمه الله تعالى.. سألته يوما عن الحديث القدسي الذي رواه البخاري في صحيحه.. عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "(إن الله تعالى قال: مَن عادى لي وليًّا، فقد آذنتُه بالحرب، وما تقرب إلى عبدي بشيءٍ أحب إلى مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببتُه كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورِجْله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه)


سألته عن فحوى هذا الحديث وما تضمنه من المعاني.. فأجابني قائلا: إن هذا الحديث أشار الله تعالى فيه إلى أمرين.. الأمر الأول يتعلق بمحبة الله تعالى لأهل ولايته ومكانة الولي ومنزلته عنده سبحانه وتعالى وغيرته عليه وتوعده سبحانه لمن يعادي وليا له بالحرب..

وهذا الأمر أشار إليه عزوجل في الشطر الأول من الحديث وهو قوله تعالى: "من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب".. والأمر الثاني: أشار الله تعالى فيه إلى السبيل لسلوك الطريق إليه والوصول إلى حضرة القرب والمقام في مقام الوصل والحظوة بأنسه عز وجل بعد التحلي بوصفه سبحانه.. ففي قوله عزوجل: "وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلى مما افترتضه عليه".. بيان وإيضاح منه سبحانه إلى أساس سلوك الطريق إليه وإشارة إلى نقطة البداية التي ينطلق منها العبد السالك لطريقه سبحانه..

التي هي أحب الأعمال إلى الله وهي إقامة الأركان والفرائض والالتزام بأوامره ونواهيه وإقامة حدوده والوقوف عندها.. وفي ذلك بيان أيضا إلى أن الشريعة الغراء هي الأساس في سلوك طريق الله تعالى ولا إقبال عليه سبحانه ولا تقرب إليه عزوجل إلا بها..

ومن هنا قال أهل العلم والمعرفة والحقيقة: لا حقيقة بغير شريعة ومن تحقق.. أي علم علوم الحقيقة ولم يتشرع فقد تفسق.. أي خرج عن دائرة أهل الله وحرم من التعرف عليه سبحانه والوصول إليه...

هذا وعندما يلتزم العبد بتعاليم الشريعة الغراء ويتمسك بهدي النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ويهتدي بهديه القويم ويتأدب بآدابه ويتخلق بأخلاقه الكريمة يفتح الله تعالى له باب المعرفة به والقرب منه سبحانه.. إذن فإقامة الشريعة هي الأساس والأصل في محبة الله تعالى للعبد..

هذا ومعلوم أن إقبال العبد على الله تعالى المتمثل في أعمال العبادات والطاعة يقابل بإقبال من الله عز وجل وفي الحديث القدسي يقول سبحانه: "إذا تقرب العبد إليَّ شبرًا تقربت إليه ذراعًا، وإذا تقرب إليَّ ذراعًا تقربت منه باعًا، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة".

هذا وإقبال الله على العبد يعني تجليات الله وفيوضاته على قلب العبد بأنوار أسمائه وصفاته سبحانه وعلى أثر ذلك يبدل الله تعالى أوصاف العبد الدنية بأوصافه تعالى السامية العلية ويمنح العبد من الله تعالى علوم وأنوار ومعارف وأسرار ويؤتي الحكمة ويرزق الفهم الرباني.. وهو فهم بلا أدوات فهم بالله من الله عن الله وهو المشار إليه بقوله تعالى: "ففهمناها سليمان"..

هذا وفي قوله عزوجل: "ولا يزال يتقرب إليَّ عبدي بالنوافل حتى أحبه فإن أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه".. أشار سبحانه وتعالى إلى أعمال النوافل وهي جمع نافلة والنافلة هي العبادة التي تزيد على عبادة التكليف التي فرضها سبحانه على العباد، التي بها يقام العبد في الفضل والتشريف.. وجملة ولا يزال يتقرب إليَّ عبدي بالنوافل.. فيها إشارة إلى الدوام والاستمرارية في أعمال النوافل وهي الأعمال الزائدة على أعمال الفرائض المكلف بها العبد التي على أثرها يرتقي العبد من درجة المحب إلى درجة المحبوب، ومن كونه طالبا مريدا لله تعالى إلى كونه مطلوبا ومرادا لله تعالى وعلى أثر ذلك يشرح الله له صدره وينير قلبه ويتحقق بالوصل ويقام في حضرة القرب.. ويكن عبدا ربانيا.. رحم الله شيخي فقد علمت وتعلمت منه الكثير والكثير وإلى حوار آخر مع شيخي..
الجريدة الرسمية