طه حسين يقارن بين قرى مصر وإيطاليا
عاد الدكتور طه حسين (ولد في 28 أكتوبر 1889 ورحل عام 1973) من الخارج بعد زيارة إلى فرنسا وإيطاليا عام 1954، وسأله مندوب مجلة المصور في حوار قصير عن شعور أهل فرنسا وإيطاليا نحو مصر؟
قال الدكتور طه حسين: لمست تغييرا في الشعور نحو مصر، وذلك منذ أن أعلنت ثورة يوليو 1952، سمعت في إيطاليا سخرية مستمرة بالملك فاروق؛ لأنه ينتقل هناك من مكان إلى مكان كالضائع. كما سمعت ثناءً على الجهود التي تبذلها حكومة الثورة للنهوض بمصر، والتحرر من الاحتلال والاستعمار.
وأضاف: كان شعوري نحو هذه البلاد شعورا بالألم لملاحظة الفرق بين الحياة الأجنبية والحياة المصرية، ولا أعني حياة معينة، حياة جماعة معينة، لكني أعني الحياة الشعبية، وقد تنقلت بين قراها هذا العام بالسيارة، وتذكرت القرى المصرية التي تميزت بالبساطة، لكني لم أجد قرية في إيطاليا لا تضاء بالكهرباء، ولا توجد قرية لا يشرب أهلها الماء النقي دون عناء.
أيضا توجد الطرق الممهدة والمدارس الابتدائية كأحسن ما تكون المدارس.. بساطة في البناء، ونظافة وعناية بصحة التلاميذ وتعليمهم.
إن المصري الذي يفكر في وطنه أثناء رحلته إلى البلاد الأجنبية يتعجل التطور لبلاده، أيضا أثناء زيارتي لأوروبا انتابني شعور بالغضب صورته في كثير من المقالات التي كتبتها في أعوام سابقة، وهي عناية البلاد التي أزورها بآثارها القديمة، وتمكين هذه الآثار من أن تكون رغم ما مضى عليها من قرون طويلة حية دائما، ناطقة دائما، وهذا الشعور يقوى في إيطاليا.
خاصة أن إيطاليا هي موطن الفن الجميل في العالم، هذا الفن الممتد عبر عصور بعيدة، ففيها الآثار اليونانية التي نشأت في اليونان قبل أن تعرف روما، وهناك آثار عربية؛ لأن العرب أقاموا في إيطاليا في القرون الوسطى، وتركوا فيها بعض الآثار. وإن الشيء الذي يروع حقا هو عناية الدولة بكل هذه الآثار على اختلافها.
وأنا شخصيا لم أر إيطاليًا يتعمد الجهل والغفلة بالقياس إلى آثار بلاده، ونعلم جميعا أن حظ مصر من تطور الحضارة والتاريخ ومن آثار هذا التطور أعظم من حظ إيطاليا. فمصر سبقت إلى الحضارة الفرعونية، وتستطيع أن تجوب مصر من البحر إلى الشلال دون أن تستوقفك الآثار المصرية، وهذا يدل على الفرق بين بلدين أحدهما حضارته القديمة عن الموت، ولا يكاد يحفل بهذه الحضارات.
الغريب أن أكثر الناس كلاما عن السياحة وعن استقبال السائحين، ونحن لا نكاد نصنع لذلك شيئا من ناحية الآثار والفن.. في حين أن الإيطاليين والفرنسيين يعنون بحضارتهم القديمة، ليس من أجل السياحة وإنما لأنهم يكرهون أن ينسوا تاريخهم.
إنني أدعو وزير الشئون البلدية والقروية المصرية وبعض من لهم صلة بها أن يزوروا مدن وقرى إيطاليا؛ ليصنعوا بمصر ما تصنعه الحكومة الفرنسية، وكم أتمنى أن يزور الصحفيون إيطاليا زيارة درس وفهم.