رئيس التحرير
عصام كامل

اللعنة!


مشهد هجرة الشباب أصبح متكررا بمعدل غير مسبوق خلال السنوات القليلة الماضية في وطننا الغالي، ويضاف إليه مشهد عدم رغبة الشباب المبتعثين لاستكمال الدراسة بالخارج أو الدارسين بالخارج في العودة إلى الوطن، والشاهد في هذه المشاهد دون توصيفها أن هؤلاء الشباب تجمعهم صفات وسمات كافية لتصنيفهم صفوة شباب هذا الوطن، أطباء ومهندسين ومعلمين وأساتذة جامعات وحتى شباب في بداية المرحلة الجامعية وغيرهم.


أستطيع أن أتفهم لحد كبير دوافع هؤلاء الشباب، خاصة من هذه النوعية، في الهجرة أو عدم الرغبة في العودة إلى الوطن والحقيقة القرار في كلتا الحالتين، إن لم يكن قد خضع لدراسة تفصيلية نافية للجهالة، فقد يكون هو قرار اللعنة مكتملة الأركان، فالفرق بين الهجرة والسفر كبير جدا، كالفرق بين الليل والنهار..

وإن كان استمرار السفر مع طول فترة الإقامة خارج الوطن قد يشبه الهجرة إلى حد كبير، إلا أنه ما زال سفرا له غرض محدد، قد يكون هذا الغرض هو: العمل بالخارج نظرا لضيق الحال، أو التعليم الجامعي أو ما بعد الجامعي للمقتدرين أو المبتعثين، أو التدريب، أو المحاكاة وغيرهم، أما الهجرة فغرضها هو الهجرة!

وعلى الرغم أني أعيش حاليا بالولايات المتحدة، إلا إنني لم ولن أنتوي الهجرة ولم ولن أشجع عليها، بل أحزن كل الحزن على كل شاب يهاجر أو كل مبتعث يسعى لعدم العودة، وفِي نفس الوقت أسعد كل السعادة لمن تتاح لهم فرصة سفر للعمل أو التعليم أو التدريب أو خلافه، وهنا أودّ أن أنبه أحبائي وأبنائي من الشباب إلى لعنة الهجرة في النقاط التالية:

١- لا يوجد مكان واحد في العالم لا يوجد به سلبيات، فكل مكان في العالم هو مزيج من الإيجابيات والسلبيات، ولكن ما يجذبنا دائما في غيرنا هو إيجابياتهم، وما ينفرنا من وطننا هو سلبياته وإن كانت متعددة ومستفزة والتي قد تجعل البعض يعتقد أنه كاره لوطنه وهذه ليست الحقيقة.

٢- ظهور السلبيات في بلد الهجرة في أي مكان بالعالم، هو المحفز الأول لاستحضار إيجابيات وطنك المستترة خلف حائط السلبيات، وبالطبع السلبيات والإيجابيات بالنسبة لكل شخص نسبية، تختلف من شخص لآخر ومعها يختلف مقدار التحمل والمقاومة وبدء ظهور أعراض اللعنة.

٣- أعراض اللعنة الأولى هي عناد النفس القهري ويبدأ بقبول أشياء كان من المستحيل أن تقبلها في وطنك وخاصة إذا كان مؤهلك عاليا، وإن قبلتها في وطنك، تتهم الوطن بأبشع الاتهامات، ولكن تتمناها في بلد الهجرة وتدعو الله أن تمر بسلام دون مشكلات قانونية، مثل أن تعمل سائق أوبر أو بائع في متجر أو توصيل طلبات، بدون ترخيص عمل.

٤- تتطور هذه الأعراض في الإلحاح الذاتي القهري للحصول على الإقامة (الهجرة) بشكل مُرضٍ وعادة الغاية تبرر الوسيلة، وقد شاهدت أحداث حقيقية من الواقع، للوصول إلى هذه الغاية، لا أريد سردها هنا حتى لا يغضب مني أبطالها، فهي مهانة إنسانية لا يقبلها غير المصاب باللعنة.

٥- عدم السيطرة على الأبناء منذ الطفولة، بشكل يفقدك فيه دور الأب والأم في التربية، وخاصة إذا كانت الهجرة في مجتمعات، تعطي الأبناء حقوق لم ننشئ أو نتربي عليها يوما.

٦- من يصابون باللعنة في الأصل مبادئهم ضعيفة وغالبا تجدهم يقلدون مواطنين المجتمعات الجديدة التي يهاجرون إليها في كل عاداتهم، حتى يتقربون منهم على حد تفكيرهم المريض، دون أدنى تفكير في أي اختلاف في العقيدة والدين والثوابت، فغايتهم هي الباعث لكل أفعالهم.

وهنا الأمانة تجعلني أدعو كل شاب أن يكون عزيز كريم، إذا حصلت على فرصة تعليم جامعي أو بعد جامعي، سواء على نفقتك الخاصة أو بدعم حكومي، خارج الوطن في دولة وجامعة مرموقة، لا تتردد واذهب، طلب العلم في أي مكان محمود، ولكن اجعل النية خالصة لله أن تعود إلى وطنك!

وإلى كل أب وأم، إذا كانت لديكم الفرصة والإمكانيات للاستثمار في أبنائكم للتعلم خارج الوطن، حتى يحملون علما ينفعون به وطنهم، فلا تترددوا، شريطة أن تذهبوا معهم ولا تتركوهم بمفردهم في سن المراهقة وغير النضوج في بلاد تختلف فيها الثقافات والقيم، فأولادكم أمانة، وما تملكونه من أموال أفضل أن ينفق في تعليمهم، وشريطة أيضا أن يتاح لكم عملا مرموقا يوفر لكم إقامة قانونية، تحفظ لكم الكرامة والاحترام والتقدير، وإن كُنتُم غير قادرين، أو حتى قادرين ولكن لم تتوفر لكم فرصة الإقامة القانونية الصحيحة، فالوطن هو حضنكم الدافئ مهما تعددت سلبياته، وما زال به فرص تعليم محترمة لمن يريد.

إلى كل من يهاجر إلى أي دولة في العالم، فكر كثيرا في كيف يعشق مواطنون البلد التي تهاجر إليها، تراب بلادهم ويحبون ويحترمون علم بلادهم ويغنون لها كل صباح، هنا فقط إذا استوعبت هذا المشهد، ستعلم أن الهجرة هي طريق اللعنة إذا كانت غايتك!
تحيا جمهورية مصر العربية
الجريدة الرسمية