تطوير التعليم.. مجرد ماكيت!!
استطاع الأستاذ "مكرم محمد أحمد" رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام أن يجمع قادة الصحف ومقدمي البرامج وعددا من كبار الكتاب ليجالسوا وزير التعليم الدكتور "طارق شوقى" ليشرح الإطار العام للمشروع القومي لتطوير التعليم.. فعلها "مكرم" ولماذا لا وهو الوطنى الغيور والقيمة الكبيرة التي يتجمع حولها تلامذته وقراؤه والمقدرون لقدره ومقامه الرفيع في تاريخ الصحافة المصرية.. قدم الأستاذ وزير التعليم إلى الحاضرين ومنحه الكلمة لمدة نصف ساعة فماذا حدث؟
تحدث الوزير لمدة تسعين دقيقة أي إنه أخذ ثلاثة أضعاف ما قدر له وقال كلاما مهما للغاية في مشروعه أو مشروع مصر القومى لتطوير التعليم، غير أن عدم التزام الوزير بالمدة المحددة أوقع به في شراك التكرار ونسف المشروع تماما، ولم يحتج منا إلى تعليق أبلغ من تعليق الدكتور مصطفى الفقى القيمة الثقافية الكبيرة ورئيس أهم وأكبر مكتبة في العالم -مكتبة الإسكندرية-، فهمنا من كلام الفقى أنه يخشى ألا يكون هناك مشروع من الأساس!!
عندما عرض الوزير رؤيته تحدث عن قوى تقف بشدة ضد المشروع، ومجتمع غير متفهم لآثاره الإيجابية على المدى الطويل، وشكا الرجل من تصرفات الأسرة المصرية، وطفيليات التعليم من واضعى الكتب الخارجية، ومافيا الدروس الخصوصية.. باختصار يرى السيد الوزير أن الناس "مش فاهمة" عبقرية مشروعه الحالم، غير أن سيادته عندما تحدث عن عقبات مادية تعترض المشروع قضى على كل حلم تحدث عنه قبلها بدقائق.
قال السيد الوزير إن مشكلة كثافات الفصول لن تنتهي وفق الميزانية المطروحة للأبنية التعليمية قبل أربعين سنة، وقال كلاما مهما عن التابلت ونظام الامتحانات الجديد، ولم يتحدث عن تقارير دولية تؤكد أن مدرسة من بين كل ثلاث مدارس ليس بها دورات مياه، غير أنه وعد بتوصيل الإنترنت إلى كل بقعة في مدارس مصر!!
بدا من كلام الوزير أن عدم فهم الناس ليس قصورا في عقول المصريين وليس رفضا للتجديد أو مواجهة ضد أحلامنا في نظام تعليمي جديد.. فهمت أنا شخصيا أن المشروع القومى إذا أردناه قوميا فإن طرحه للنقاش المجتمعى كان ضرورة قبل التنفيذ.. فهمت أيضا أننا بدأنا مشروعا حالما دون إمكانيات وتصورنا أن التعليم وتطويره يمكن أن يتم بالتسول.. وفهمت أيضا أن مشروع الدكتور "طارق" مثل سيارة أنيقة ليس بها موتور يمكن الاحتفاظ بها للفرجة فقط!!
الدكتور "طارق شوقى" بث في الحاضرين أننا غير جاهزين لإطلاق المشروع، وأن ما يفعله سيادته هو عنوان مشروع جذاب مثل ماكيتات الكمبوندات قبل التنفيذ تنتظر اقساط الحاجزين لاستكمالها لتصبح حقيقة واقعة، وفهمت أيضا من استعراض السيد الوزير أن أول قرار يجب أن يتخذه الرئيس السيسي اعتبار مشروع تطوير التعليم مسألة حياة أو موت وأن وضع المشروع تحت ولايته شخصيا هو السبيل الوحيد لإنجاحه.
وأيقنت أن الدكتور "طارق شوقى" رجل سليم النوايا غير أن النوايا وحدها قد تكون آفة القضاء على المشروع.. بلد في حجم مصر إن لم تجند كل طاقاتها وقدراتها الرسمية والمجتمعية لهذا المشروع يصبح وهما لن نجنى منه إلا اليأس والإحباط والإحساس بالفشل.. المشروع بإمكانياته الحالية ليس إلا مغامرة نتائجها كارثية على البلاد وقراها وقدرتها على الإسهام العلمى والحضارى.
خرجت من المؤتمر بنتيجة واحدة.. لدينا ماكيت مشروع عظيم دون أدوات تنفيذ.. دون آليات وإمكانيات تجعله واقعا يمشى على الأرض.. أدركت أن مشروعا قوميا جرت كل تفاصيله سرا لا يمكن اعتباره مشروعا قوميا.. إذا أردت مشاركة المجتمع لا بد وأن تطرح أفكارك ليقتنع بها الناس فيصبحوا آلة في ترس التغيير، أما أن نبدأ مشروعا لا تزال تفاصيله ألغازا أمام الجماهير فإن النتيجة الحتمية مجرد فنكوش!!