مشروع ترقيع التعليم
أنا على يقين أن السيد الرئيس عندما تحدث عن مشروع قومى للتعليم، إنما يرغب في تغيير أوضاع التعليم بمصر، بعد أن آلت الأحوال إلى ما لا يمكن تحمل استمراره، غير أن حديث الرئيس، وبعد أن يخرج منه يصل إلى مسئولين أصغر للتنفيذ، فهل يصلح الدكتور طارق شوقى لقيادة أو وضع إستراتيجية قومية للتعليم؟.. لا فالرجل طرح أفكارا مبعثرة لا حدود لها علميا ولا فنيا، فبدا الأمر باعتباره مجرد ترقيع مشوه للتعليم في مصر.
التعليم قضية حياة أو موت، لا يصلح معها أن تقوم إستراتيجية على التسول أو التبرع، التعليم هو روح الأمة وعمادها وإرادتها وهويتها، وبالتالى فإن ما يطالب به الرئيس من مشاركة لمؤسسات المجتمع المدنى ورجال الأعمال، يصب في غير ما يمكن أن نحققه في إستراتيجية يجب أن تقوم على ميزانية ضخمة، تركز على أطر وأركان المشروع بداية من المبنى، إلى المدرس، إلى المناهج إلى الوسائل الوسيطة.
إصلاح أحوال المعلم لا يحتاج إلى أن يستأذن الرئيس في رفع مرتبه، خصوصا وأن ما يحصل عليه المعلم المصرى يمثل فضيحة لنظام التعليم في بلادنا، وصلت الأحوال بالمعلم أن أصبح في ذيل السلم الاجتماعي، والنهوض به لا يصب في مصلحته فقط وإنما يتعدى ذلك ليصبح هو منصة النهوض بالتعليم، واحدة من كل خمس مدارس غير صالحة للاستخدام التعليمى أصلا، بسبب عدم وجود صرف صحى ولا مياه فيها، فهل نستأذن القطاعات المختلفة لنصلح أحوالها؟!
قالوا للحبيب بورقيبة رئيس تونس الأسبق نحتاج إلى ٤٠ مليون دولار لشراء قمح بعد أن أصبح مخزوننا الإستراتيجى في خطر، ويمكننا أن نأخذ هذا المبلغ من حصة التعليم، فقال: نفلس ولا نقترب من ميزانية التعليم، خطت تونس إلى مساحات مقدرة عالميا في التعليم، وقضت على الأمية، لأنها أيقنت أن التعليم قضية أمن قومى أهم من الخبز، وأهم من الطرق، وأهم من البنايات الشاهقة.
في إصلاح التعليم إصلاح لكل شيء، نتحول من فقر الإدارة إلى إدارة الفقر، نستطيع أن نقفز قفزات نوعية اقتصاديا واجتماعيا وفكريا بالتعليم، وليس بالمدن الجديدة، أو القرى السياحية، أو إنشاء الأبراج والأنفاق والكبارى، التعليم هو وقود الحياة، وهو قاطرة التنمية، وهو التغيير الحقيقى الذي ننشده، ولا يجوز معه أن نقوم بعمليات ترقيع تعتمد على التبرعات أو التسول أو الاقتراض.
التعليم هو الهوية والمفتاح الذي نستطيع من خلاله أن ننافس، وأن ننقل مصر إلى ما تستحقه، التعليم قضية أمن مستقبلي، لا يقوم على الإحسان، وإنما على إرادة شعب ينفق على عقله ومستقبله من لحمه الحى، التعليم يحتاج إلى إستراتيجية وليس ترقيع، نظرة شاملة ومشروع قومى نلتف حوله جميعا، وندعمه من قوتنا، وعرقنا، وأموالنا، ولا ننتظر أموال التبرعات التي قد تأتى أو لا تأتي.. لا يجب أن نرهن المشروعات القومية على مجرد أحلام، وإنما على واقع ندفع ثمنه، ونكون على استعداد أن نجوع من أجله.