دقة «البخاري» إلى أين؟!
يرى كثير من المسلمين أن صحيح البخاري هو أصح وأصدق الكتب بعد القرآن. التسليم بهذا الادعاء غير قابل للتفاوض، وإلا فإنك كمسلم ستفتح على نفسك أبواب الجحيم. يجب أن تقر وتعترف بذلك حتى ولو قيل لك إن البخاري جمع تلك الأحاديث في القرن الثالث الهجري، فالإيمان لا يمر عبر بوابة العقل بل يرفرف بوداعة كحمامة بيضاء في القلب.
يكفي أن تسلم سلسلة الرواة من الجرح ليستقر الحديث في أصح وأصدق الكتب في الدنيا بعد القرآن. ولا تسأل عن متن الحديث ومعقوليته حتى لو نصحك الراوي بأن تأخذ جناح الذبابة الآخر التي سقط نصفها في إنائك لتغمسه في شرابك.
لا يختلف اثنان على تقوى "البخاري"، و"مسلم"، رحمهما الله، وجهدهما الكبير في جمع الأحاديث، ولكن عندما واجه الفقهاءُ التناقضات بين الأحاديث في صحيح البخاري وبقية الصحاح الأخرى لم يخطر في بالهم أن هناك احتمالًا، ولو ضئيلًا، أن أحد الحديثين موضوعٌ، بل أخذوا يفكرون في تبريرات واهية منافية للعقل لتقريب المسافات بين تلك الأحاديث، وكأنَّ العيبَ في عقل الإنسان العاجزِ عن استقراء الحكمة الكامنة وراء التناقضات الظاهرية!
يقدم الباحث إبراهيم فوزي بعض الأمثلة لأحاديث تصيب سامعها بالدوار.. جاء في البخاري ومسلم الحديث التالي: "إذا التقى مسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار. قيل يا رسول الله: هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصًا على قتل صاحبه".
يتساءل إبراهيم فوزي، في بحثه القيم عن البخاري: هل نستنتجُ من هذا الحديث أن أصحاب معركة الجمل، وعلى رأسهم عليُّ بن أبي طالب وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام، سيلقون في النار؟! ألا يتعارض هذا الحديث – والكلام للباحث- مع حديث العشرة المبشرين في الجنة، ومنهم الصحابة الثلاثة المذكورون؟!
وينوه الباحث بالنقاشات التي دارت في الندوة العلمية حول "منزلة السنة النبوية من القرآن"، التي عقدت في طرابلس الليبية عام 1978 وفيها تحدث الرئيس الراحل معمر القذافي عن التناقضات في صحيح البخاري، مستشهدًا بعدد من الأحاديث، منها: "خذوا دينكم من عائشة"، وحديث آخر: "عائشة ناقصة عقل ودينٍ".. وحسب القذافي فإن الحديث الأول وضعه أنصار عائشة، أما الحديث الآخر فوضعه شيعة على في معركة الجمل. ماذا علينا أن نفعل حيال ذلك؟! هل نأخذ العلم من عائشة أم نتجاهل ما قالته باعتبارها ناقصة عقل ودين؟!
يورد الباحث إبراهيم فوزي نماذج كثيرة جدًا لأحاديث مشكوك في صحتها انتفخت بها أوداج السنة. البعض منها شق طريقه ليحفظ في الصحاح، والبعض الآخر بقي خارج أسوار الصحاح، لكنها مازالت تدور مع الزمان وتتسرب فعاليتها الطاغية إلى الكثير من مناحي الحياة.
وعلى سبيل المثال؛ استخدم معاوية بن أبي سفيان أثناء صراعه مع على بن أبي طالب حربًا دعائية قوامها أحاديث ترفع من شأن الخلفاء الراشدين الثلاثة الأوائل، وتحط من قدر على. طبعًا لم يكن هذا بالعمل المجاني، فمعاوية كان ناجحًا في معرفة معادن الرجال، والتعامل معهم، حيث خصص جُعلًا لمن استفاد منهم؛ كأبي هريرة وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة، ومن التابعين كعروة بن الزبير، مقابل وضع روايات، واختلاق أحاديث، وتقديم أفكار وآراء ناجعة في المعارك، والنزاع الدموي.
فعلى سبيل المثال، يروي عمرو بن العاص أنه سأل النبي يومًا: "أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة. قلت: من الرجال؟ قال: أبوها، قلت: ثم من؟ قال: عمر بن الخطاب". هنا تعمد عمرو إزاحة اسم عثمان بن عفان من مرتبته الثالثة المحجوزة له في هذا الحديث الذي هو أقرب أن يكون من بنات أفكار عمرو للكراهية المتبادلة بينه وبين عثمان!
في المقابل، لم يكن خيال الفريق الآخر من أنصار على بأقل خصوبة من خصومهم بوضعهم أحاديث نبوية ترصع صدر على بنياشين محمدية، وتملأ ملفه الشخصي بشهادات التقدير والشكر جزاءً على تطاول خصومهم في الشام على رمزهم الروحي والتاريخي.
وهناك نوع من الأحاديث التي تزايد على إسلام المرء بقصد ترغيبه في الآخرة وتحبيبه في الجنة وتخويفه من النار من خلال إشغاله بالنوافل والأدعية والزهد في الحياة.
وهذا النوع من (الكذب الأبيض)، إن صح التعبير، لا يختلف عن القصص الكاذبة والإشاعات التي لا يخجل المتدينون اليوم من اختلاقها والمزايدة عليها بهدف حمل الناس على سلوك معين وفق شكل محدد وما إلى ذلك. أحد هؤلاء الذين تخصصوا في وضع هذه الأحاديث الكاذبة رجل اسمه عبد الله بن المسور والمعروف بأبي جعفر المدائني، وقد سئل يومًا عن سبب ترويجه لأحاديث مختلقة في العبادة والزهد فقال: إن فيه أجرًا.
وروي عن أبي عصمة نوح بن مريم أنه وضع أحاديث في فضائل القرآن سورة سورة بعنوان "من قرأ سورة كذا فله ثواب كذا..."، ولما سئل من أين له تلك الأحاديث، قال: "لما رأيت الناس اشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي محمد بن إسحاق، وأعرضوا عن حفظ القرآن، وضعت هذه الأحاديث حسبة لله". غريب أمر أبي عصمة هذا! يجر الناس بالسلاسل إلى الجنة ويعرض نفسه للنار، وكأنه لم يسمع بحديث النبي الذي قال فيه: "من كذب عليَّ فليتبؤ مقعدًا في النار".
عندما قرأت هذه المعلومة بدأت أتشكك في تلك الأحاديث التي على تلك الشاكلة، وما أكثرها!
يتساءل إبراهيم فوزي، في بحثه القيم عن البخاري: هل نستنتجُ من هذا الحديث أن أصحاب معركة الجمل، وعلى رأسهم عليُّ بن أبي طالب وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام، سيلقون في النار؟! ألا يتعارض هذا الحديث – والكلام للباحث- مع حديث العشرة المبشرين في الجنة، ومنهم الصحابة الثلاثة المذكورون؟!
وينوه الباحث بالنقاشات التي دارت في الندوة العلمية حول "منزلة السنة النبوية من القرآن"، التي عقدت في طرابلس الليبية عام 1978 وفيها تحدث الرئيس الراحل معمر القذافي عن التناقضات في صحيح البخاري، مستشهدًا بعدد من الأحاديث، منها: "خذوا دينكم من عائشة"، وحديث آخر: "عائشة ناقصة عقل ودينٍ".. وحسب القذافي فإن الحديث الأول وضعه أنصار عائشة، أما الحديث الآخر فوضعه شيعة على في معركة الجمل. ماذا علينا أن نفعل حيال ذلك؟! هل نأخذ العلم من عائشة أم نتجاهل ما قالته باعتبارها ناقصة عقل ودين؟!
يورد الباحث إبراهيم فوزي نماذج كثيرة جدًا لأحاديث مشكوك في صحتها انتفخت بها أوداج السنة. البعض منها شق طريقه ليحفظ في الصحاح، والبعض الآخر بقي خارج أسوار الصحاح، لكنها مازالت تدور مع الزمان وتتسرب فعاليتها الطاغية إلى الكثير من مناحي الحياة.
وعلى سبيل المثال؛ استخدم معاوية بن أبي سفيان أثناء صراعه مع على بن أبي طالب حربًا دعائية قوامها أحاديث ترفع من شأن الخلفاء الراشدين الثلاثة الأوائل، وتحط من قدر على. طبعًا لم يكن هذا بالعمل المجاني، فمعاوية كان ناجحًا في معرفة معادن الرجال، والتعامل معهم، حيث خصص جُعلًا لمن استفاد منهم؛ كأبي هريرة وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة، ومن التابعين كعروة بن الزبير، مقابل وضع روايات، واختلاق أحاديث، وتقديم أفكار وآراء ناجعة في المعارك، والنزاع الدموي.
فعلى سبيل المثال، يروي عمرو بن العاص أنه سأل النبي يومًا: "أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة. قلت: من الرجال؟ قال: أبوها، قلت: ثم من؟ قال: عمر بن الخطاب". هنا تعمد عمرو إزاحة اسم عثمان بن عفان من مرتبته الثالثة المحجوزة له في هذا الحديث الذي هو أقرب أن يكون من بنات أفكار عمرو للكراهية المتبادلة بينه وبين عثمان!
في المقابل، لم يكن خيال الفريق الآخر من أنصار على بأقل خصوبة من خصومهم بوضعهم أحاديث نبوية ترصع صدر على بنياشين محمدية، وتملأ ملفه الشخصي بشهادات التقدير والشكر جزاءً على تطاول خصومهم في الشام على رمزهم الروحي والتاريخي.
وهناك نوع من الأحاديث التي تزايد على إسلام المرء بقصد ترغيبه في الآخرة وتحبيبه في الجنة وتخويفه من النار من خلال إشغاله بالنوافل والأدعية والزهد في الحياة.
وهذا النوع من (الكذب الأبيض)، إن صح التعبير، لا يختلف عن القصص الكاذبة والإشاعات التي لا يخجل المتدينون اليوم من اختلاقها والمزايدة عليها بهدف حمل الناس على سلوك معين وفق شكل محدد وما إلى ذلك. أحد هؤلاء الذين تخصصوا في وضع هذه الأحاديث الكاذبة رجل اسمه عبد الله بن المسور والمعروف بأبي جعفر المدائني، وقد سئل يومًا عن سبب ترويجه لأحاديث مختلقة في العبادة والزهد فقال: إن فيه أجرًا.
وروي عن أبي عصمة نوح بن مريم أنه وضع أحاديث في فضائل القرآن سورة سورة بعنوان "من قرأ سورة كذا فله ثواب كذا..."، ولما سئل من أين له تلك الأحاديث، قال: "لما رأيت الناس اشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي محمد بن إسحاق، وأعرضوا عن حفظ القرآن، وضعت هذه الأحاديث حسبة لله". غريب أمر أبي عصمة هذا! يجر الناس بالسلاسل إلى الجنة ويعرض نفسه للنار، وكأنه لم يسمع بحديث النبي الذي قال فيه: "من كذب عليَّ فليتبؤ مقعدًا في النار".
عندما قرأت هذه المعلومة بدأت أتشكك في تلك الأحاديث التي على تلك الشاكلة، وما أكثرها!