الإعلام المنافق.. لم يكن يومًا ظهيرًا للدولة!
لنكن صرحاء مع أنفسنا ونعترف بأن برامج التوك شو لم تكن يومًا ظهيرًا للدولة ولا مدافعًا عن أحلام البسطاء بالصورة المرجوة.. صحيح أنها وقفت ضد الإخوان وناصرت ثورة 30 يونيو بعدما تأكد انحياز الجيش للشعب الذي خرجت ملايين للشوارع لإسقاط حكم الجماعة ومرشدها.
كما أن الإعلام وخصوصًا برامج التوك شو كان أغلبها مشحونا ومحرضًا ومواقد أشعلت الجدل والانقسام وغذت العنف بين فئات المجتمع وأطيافه السياسية وذلك أثناء أحداث يناير و30 يونيو، وهو ما أنتج شروخًا وصدوعا اجتماعية لم نعهدها من قبل، وأحسبها لم تلتئم حتى اليوم وسوف تعاني منها مصر كثيرًا رغم ما يجري الآن من محاولات لتوحيد الخطاب الإعلامي ورسالته ودخول معارضة وطنية بناءة.
التاريخ سوف يسجل كيف نافق هذا الإعلام نخبًا ووجوهًا أكلت على كل الموائد وفعلت الشيء ونقيضه، وأجادت لعبة التحول والنفاق خدمة لمصالح أصحاب المال والنفوذ..وكيف كان هذا الإعلام يومًا بوقًا لمبارك ونظامه وحزبه ثم انتقل لمربع الإخوان وحزبهم أيضًا.. ثم عاد يداهن أهل الحكم بعد زوال الإخوان من المشهد..
فهل ننتظر من إعلام كهذا أن يثق الناس فيه وفي هؤلاء المتلونين سواء من النخب أو من مقدمي برامج التوك شو والذين كانوا سببا من أسباب عزوف الجمهور عن التوك شو الذي أغرق الناس في الحيرة والبلبلة، حين راوح مكانه بين السياسة والدين وتجار المصالح والثوار الأنقياء ونشطاء السبوبة.. بين فلول الوطني وفلول الإخوان.. بين من امتلكوا كل شيء ولم يقنعوا بشيء ولا قدموا للوطن أي شيء ولا رضوا بشيء بل نقموا على كل شيء ولم يعودوا يأبهون بشيء.
التوك شو في كل الدنيا عين على قضايا الأمة وأولوياتها يضع يده على مواطن الداء ويشخص العلة ويصف الدواء ويعري الفساد والمفسدين لكنه عندنا كان مجرد شو إعلامي تغافل عن هموم الوطن وشواغل المواطن.. وأغفل التعليم والصحة والشباب وهجرتهم للخارج وانجرافهم أمام تيار الإدمان والمخدرات والتطرف والإلحاد والعنف وعزوفهم عن المشاركة في الشئون العامة، وتفرغ للدجل والشعوذة والخرافة والتفاهة.. وخاض في الأعراض وهتك الخصوصيات وتغييب العقول وطمس الضمائر.
أغرق الإعلام وخصوصًا التوك شو في المحلية والقضايا الهامشية أو الخلافية على أحسن تقدير، ولم يكن عينًا على الأحداث ليضع المشاهد على عتبة ما يجري حوله هنا وهناك، وما يراد بأمتنا العربية التي تعثرت أقدامها فيما عرف بالربيع العربي الذي بات خريفا عاصفًا أضاع كثيرًا من فرص التنمية والتطور.