رئيس التحرير
عصام كامل

الموظف الذي هزم خمسة وزراء


سيد أفندي سيد قراره، ولا سيد عليه إلا رأسه، ورأسه "متكلفة"، وترى ما لا يراه الوزراء والمحافظون ورئيس الوزراء بنفسه، لا يستطيع أن ينفذ قرارًا من بنات أفكاره دون المرور على سيد أفندي، وسيد أفندي قد يكون مستشارا قانونيا لمحافظ يقبع خلف مكتبه لا يرى أبعد من كومة الأوراق التي تعفنت منذ سنوات، لأنه لا يقلبها بل يحتفظ بها ورقة فوق ورقة طوال فترة وجوده وقد يجمعها بين أوراقه عندما يحين الحين ويأتي مكانه محافظ آخر.

وقد يكون سيد أفندى موظف "كحيتي" يرى أن المستثمرين ليسوا إلا لصوص أو تجار مخدرات أو أنهم أغنياء، والغني في عرف سيد أفندى وكل أفندي في البلاد سبة يجب أن يعاقب عليها حتى يعرف أن سيد أفندي حق وأنه لن يمر إلى مشروعه مهما طال الزمن، ولن يحصل على أرض أو موافقة حتى لو حصل على قرار من الوزير أو رئيس الوزراء، وعادة ما يختفي سيد أفندي وراء شعار ذا رونق، مثل المصلحة العامة.. فلوس البلد.. حق الغلابة وهكذا يستطيع سيد أفندي أن يوقف المراكب السائرة بجرة قلم.

في مصر لجنة لفض المنازعات الاستثمارية برئاسة المستشار وزير العدل، وعضوية وزراء الاستثمار، والتنمية المحلية، والتجارة والصناعة، والمالية وكل وزير من هؤلاء ذو شنة ورنة، والواحد فيهم لديه جيوش جرارة من الأتباع والموظفين وصلاحيات كبيرة وسلطات أكبر، ويحق لها أن تنظر فيما يأتيها من شكاوى ومنازعات رجال الأعمال والمستثمرين وقراراتها نافذة على الجميع إلا سيد أفندي!!

اللجنة الوزارية الميمونة أصدرت قراراتها في ٣٥٠ منازعة استثمارية بغرض دفع الاستثمار وعجلة التنمية والنهوض بالبلاد وتوفير فرص عمل والتنافس على التصدير أو سد فجوات بالداخل.. القرارات الـ ٣٥٠ لا تزال حبرا على ورق.. مجرد كلام وزرا لا يودي ولا يجيب مع سيد أفندى الذي يقف لهؤلاء الوزراء بالمرصاد.. هم يصدرون القرارات وسيد أفندي يضعها بالدرج وويل وكل الويل لمن يتصور أو يعتقد أو يظن أن قرارات اللجنة المؤلفة من هؤلاء الوزراء الخمسة نافذة على الأفندي سيد!!

المثير أن القانون منح اللجنة المكونة من خمسة وزراء قوة النفاذ لقراراتها، والمدهش أن القرارات الصادرة لا تنفذ، ومع ذلك فإن اللجنة لا تزال تصدر قرارات بشكل دوري، والعجيب أن أحدا من هؤلاء الوزراء لا يناقش فكرة تعطيل القرارات أو إلغائها أو عدم الاعتراف بها من قبل موظف لا يزال هو الكارثة الحقيقية في ملف الاستثمار في مصر، والأكثر غرابة أن وزراء منهم إذا ما واجهته بعجز لجنتهم عن التنفيذ سيقول لك إن دورنا إصدار القرارات فقط.

ولكي نتعرف أكثر على سيد أفندي فلا أبالغ إن قلت لك إن موقفه الحاسم والحازم من الوزراء الخمسة لا يعطل عدة مليارات متجمدة منذ سنوات فقط، وإنما يبعث برسائله إلى المستثمر الأجنبي تحت شعار "لا تأتي" إذ إن القادمين من الخارج بأموالهم ليسوا من النوع الأهبل أو العبيط أو المضحي بأمواله.. المستثمر الأجنبي يأتى إلينا ليحقق أرباحا لا يحققها في بلد آخر، والنظر إليه بهذا الحقد والكراهية والعته سيجعله يبحث عن مكان يخلو من سيد أفندي ومن كل أفندي يستطيع أن يهزم خمسة وزراء!!
الجريدة الرسمية