مصر والسودان
لم تكن زيارة السيسي الأخيرة للسودان كغيرها من الزيارات البروتوكولية، حيث جرت عدة لقاءات على نحو بالغ الأهمية، أهمها لقاؤه بالمثقفين والصحفيين والإعلاميين السودانيين الذين يمثلون ضمير السودان وبوصلته، التي تمثل قوة ناعمة أبلغ في تأثيرها من حديث السياسة، وما يشوبها أحيانا من ميكافيلية لا يمكن إنكارها يتخذها صاحب القرار السياسي، ولا تجد صداها في نفوس المثقفين الذين ينشدون وحدة تمثل وجدان الأمة العربية، بعد أن أنهكتنا القوى الدولية على مدار سنوات طويلة، قضيناها في شد وجذب لم نجن من ورائه إلا كل فرقة وتغييب للمصالح العربية.
لقاء السيسي اتسم بالشفافية وحديث من القلب إلى القلب، لا ينقصه إلا إتاحة الفرصة للقوى المدنية بين البلدين، لتقوم بدورها في خلق مساحات مشتركة من الحوار والبناء، بعيدا عن مدارات السياسة وانقلاباتها، بحيث يؤمن كل طرف بمصالح الطرف الآخر، وبأن الشراكة لاتعني الذوبان أو التنازل عن الهوية، أو السماح بسيادة طرف على الطرف الآخر، فإذا ما آمنا بتعارض المصالح أحيانا، فإننا لن نصل إلى تفاهم كامل حول ما يمكن أن نشترك فيه.
تجاذبا الأطراف الإقليمية حول الدور المصري والدور السودانى، قد يقود إلى هوة بين البلدين، إن لم يدرك صناع القرار طبيعة المرحلة، وما يمكن أن نبني عليه انطلاقا من الإيمان باستقلالية كل طرف في اتخاذ ما يراه مناسبا من مواقف، والاستفادة من هذا التنافر أكثر من تعميق فجوته، واتخاذ مواقف من شأنها زيادة مساحة التناقض، وخلق هوة بين الشعوب ظلت سنوات طويلة، هي العنوان الأبرز في علاقة البلدين.
حديث السيسي عن توافق إعلامي بين الطرفين وجد صداه في نفوس الجماعة الصحفية المصرية والسودانية، وقد حادثنى الزميل الكاتب الصحفي الكبير عبد المحسن سلامة نقيب الصحفيين المصريين، عن تحركات في هذا الصدد، نتمني أن تنتقل من مرحلة التواصل الهاتفي إلى حوار بناء، نبنبي فيه علاقة شراكة تقوم على الاحترام المتبادل، وليبقى كل مشغول بشئونه الداخلية، يعالجها كيفما شاء، بعيدا عن التدخلات التي شابت علاقاتنا في الفترات السابقة.
من الطبيعى أن تتباين المواقف الرسمية، وهذ ليس عيبا، وإنما العيب أن تنتقل تلك التباينات إلى ساحة الثقافة والإعلام، فإن كان لابد من الدخول في سجالات بين الطرفين، فليكن ذلك على أرضية الحوار البناء، بعيدا عن التهوين أو التهويل، وانطلاقا من الإيمان بأن لكل مصالحه الخاصة التي يجب أن يحافظ عليها، وليكن لنا في النموذج الأوروبي مثالا يحتذى، فما أكثر التناقضات بين الأطراف الأوروبية، غير أن إعلامها وصل إلى مرحلة النضج، فمارس دوره بمسئولية وطنية، قادت الأوروبيين إلى وحدة صنعت منهم قوة لا يستهان بها.