الأستاذ
قد يتصور البعض خطأً أن معركتنا -رفضا لقرار حظر النشر الصادر من المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام- فيها انتقاص من قيمة وقامة الكاتب الكبير الأستاذ مكرم محمد أحمد، إذ إن الوسط الصحفي بمعارضيه للأستاذ ومؤيديه يعرفون قدر مكرم في وجدان الجماعة الصحفية، فمنه تعلمنا الكثير من القيم الصحفية، وتعلمنا أبجديات الرسالة من تاريخه ومن معاشرته لنا، وقد كنا ولا نزال وفي أقسى المعارك نعرف قدره كما يجب أن يُعرف.
الأستاذ مكرم، واحد من جيل تحمل على عاتقه معارك من أجل الحرية، ومن جيل القيم الصحفية، وخاض حروبا سطرها التاريخ بحروف من نور وكلها تشهد على إبائه وشموخه ومواجهته لقوى الشر، وقد كاد أن يدفع حياته ثمنًا لنضاله وجهاده، وشاء الله أن ينتصر، ويبقى بيننا نبراسًا وهدى للأجيال المتعاقبة، ولا زلنا نحفظ له كيف كان فارسًا مغوارًا في مواجهة النظام من أجل حرية الصحافة، عندما أرادت قوى الفساد أن تكمم أفواه الصحفيين في أكثر من مرة.
مكرم محمد أحمد، هو صاحب الرسالة الذي نقف أمامه مشدوهين، وهو في سنه هذه عندما نشاركه تغطية أحداث ونراه وهو يخرج من جيبه قلمًا وأجندة ليعيد إلى الأذهان أن الصحفي مهما علا قدره فإن أدواته في رسالته قلم وورقة، وإرادة صحفية، وحالة مهنية تطفو على السطح أمام الحدث، دون أن يمارس ذلك من برج عاجي مثل الكثيرين من أساتذتنا.
ومعركتنا مع المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام لا تخرج عن كونها تناقضا في وجهات النظر، فالأستاذ رأى أن من حقه أن يمنع النشر حرصًا على نهر الخير وتبرعات الناس لمستشفى ٥٧٣٥٧، ونحن من جانبنا نرى أن ممارسة حق كشف المستور هي في الأساس عملية دفاع عن مكتسبات مصر والمصريين، وحقهم الطبيعي في الوقوف على أوجه إنفاق أموالهم باعتبارهم أصحاب الفضل في سيرورة العمل داخل هذا الصرح الشعبى العظيم.. هذا هو مصدر الخلاف دون أن نبخس الرجل حقه في التقدير والاحترام، خاصة وأن تقديره ليس منة من أحد فقد صنع قيمته بتاريخه.