النائب العام ينتصر للحريات
أعلنا في مجلس تحرير "فيتو" التزامنا بقرار منع النشر في قضية "مستشفى 57357" الصادر بقرار من المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رغم عدم قانونيته، وأعلنا عن ذلك في حينها، وبرغم أننا شرحنا وجهة نظرنا إلى كل المسئولين الذين اتصلوا بنا، وشرحنا لهم الأخطاء الفادحة التي وردت في قرار المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، وقلنا للجميع إن هذا الحظر خطر كبير على صورة مصر، خاصة أنه ألغى دور الجهات القضائية، ومنح نفسه حقا غير قانوني ومع ذلك التزمنا.
جاء قرار إحالة الكاتب الصحفي الكبير "مكرم محمد أحمد" لنيابة أمن الدولة العليا فيما يبدو بعد مخاطبات من النائب العام للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام دون أن يتلقى النائب العام ردًّا، فكان القرار بإحالة مكرم لنيابة أمن الدولة، وأكد النائب العام على حق المؤسسات الصحفية في عدم الالتزام بقرار منع النشر، ويعد ذلك انتصارًا لحرية الصحافة، وتقييد قرار حظر النشر في جهات التحقيق، وهي الجهة المتعارف عليها قانونًا.
وبمراجعة قرار المجلس الأعلى للإعلام بدءًا من صياغته وانتهاء بمضمونه فقد وردت فيه عدة أخطاء لا نتصور أنه من المستساغ أن تترك هكذا دون مراجعة، حيث تعامل البيان مع كلمة "المستشفى" على أنها مؤنث، في حين تعامل مع كلمة "المؤسسات" كمذكر، ووردت كلمة "قاضي" والصحيح أنها "قاض"، كما وردت كلمة "المهمة" والصحيح "مهمة" وجاء مصطلح "عن ما" والصحيح "عما"، كما ورد في البيان "ممثليين" والصحيح "ممثلين"، كما وردت كلمة "متخصصون" بينما موقعها يجب أن تكون "متخصصين".. هذا في بند اللغة!!
أما في المضمون فقد استهل المجلس قراره بالقول إن "مستشفى ٥٧" صرح ضخم له رسالة نبيلة إضافة إلى كونه مؤسسة طبية عالمية وهذا الاستهلال كالذي يفسر الماء بالماء، وكقول الشاعر "كأننا والماء من حولنا.. قوم جلوس حولهم ماء".. أليست عظمة هذا الصرح هي التي فرضت على الصحافة أن تقوم بدورها في حمايته باعتباره رمزا لقدرة الشعب المصري على العطاء، وهل هناك من كتب في "فيتو" أو "المصري اليوم" بأنه مستشفى حقير صغير لا يستحق المتابعة والتدقيق والمراقبة؟!!
يأتي قرار المجلس ليصف لجنة حكومية مشكلة بقرار من وزيرة التضامن بأنها لجنة قضائية وهذا غير صحيح بالمرة، إذ إن اللجان القضائية تشكل بقرار من النائب العام باعتباره محامي الشعب، أو من خلال قاضي التحقيقات، أما هذه اللجنة فهي حكومية مشكوك فيها قبل أن تقدم تقريرها، ونحن نصر على تشكيل لجنة قضائية ممن له صاحب الحق في تشكيلها.
يقول المجلس مبررا لاتخاذ قرار منع النشر: "خاصة أن الجميع قد عرضوا وجهات نظرهم"، فهل سأل المجلس الأعلى الكاتبين أسامة داوود ووحيد حامد والدكتور شريف أبو النجا عما إذا كان لديهم جديد من عدمه؟ وهل سأل المجلس صحيفتي "فيتو" و"المصري اليوم" عما إذا كان لديهما جديد إضافة إلى أن الأمر يتعلق بوقائع وليست وجهات نظر.
يناقض المجلس نفسه ويطلب من كل الأطراف أن تقدم ما لديها إلى لجنة التحقيق أو إلى المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام لإرسالها للجنة أو نشرها إن كانت هناك ضرورة، وهو كلام غريب ومدهش ومثير، إذ كيف لجهاز تنظيم الإعلام أن يطالب الصحفيين بأن يتحولوا إلى مرشدين، فالصحفي دوره النشر ودور الجهات التحقيق والتحقق، فإذا أصاب الصحفي فهذا دوره وإن أخطأ فإن القانون وضع حدا لعقابه والعقوبات يعرفها كل أعضاء المجلس الموقرين.
أضف إلى ذلك أنه ليس من بين وظائف المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام مراقبة المحتوى قبل نشره ومنحه صفة الضرورة من عدمه كما أن المجلس منح نفسه حقا لم يرد في قانون إنشائه ولا في لائحته التنفيذية.
إن الواجب الوطني يفرض علينا أن ننتبه إلى خطورة تصدير قرار المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في المحافل الدولية باعتباره تكميما للأفواه وتدخلا سافرا في الحريات ورقابة غير قانونية على الصحافة والإعلام، وهو أمر سنبذل جهودا كبيرة للرد عليه ولن تتركه التيارات الظلامية دون استثماره، وكان من الأولى أن يصدر القرار من الجهة صاحبة الولاية في هذا الأمر، علما بأننا نرى أن الحظر يجب أن يكون في أضيق نطاق، وفيما يهدف إلى حماية التحقيقات، أو فيما يتعلق بقضايا الأمن القومي.
وأخيرا جاء قرار النائب العام بإتاحة الفرصة أمام المؤسسات الصحفية في متابعة النشر انتصارا لـ"فيتو" وحملتها التي قادتها وانضمت لها "المصري اليوم" مما شكل ضغطا في الرأي العام للوقوف على الحقيقة بعيدا عن فكرة المنع.