رئيس التحرير
عصام كامل

سنرحل ويبقى الأثر!


لِماذا أصبحت حياتنا تفتقد معاني كثيرة طيبة حتى تستمر؟ لماذا أصبحنا أكثر استعدادا للهجوم دون محاولة مخلصة للدفاع الذي لا يفسد للود قضية؟ لماذا نضبت قدرتنا على تحمل بَعضُنَا البعض؟ لماذا أصبحنا أكثر استعدادا لخسارة كل غال وعزيز في حياتنا؟ لماذا أصبحت قلوبنا لا يوجد بها مساحة للتسامح؟ 


لماذا أصبحنا لا نفكر في قيمة العلاقات الإنسانية الباقية؟ لماذا أصبحنا نستمع كي نرد، لا كي نفهم ونستوعب؟ لماذا أصبح التشكيك في كل شيء هو أسلوب حياتنا؟ لماذا أصبحت الغاية تبرر الوسيلة مبدأ حياة، حتى لو كان على حساب أقرب الناس؟ لماذا أصبح التجاوز اللفظي أسهل طرق الرد على اختلافنا حتى مع الأصدقاء والزملاء؟ لماذا سيطر التفكير النقدي السلبي على كل مساحة التفكير المتاحة في عقولنا ولَم يعد هناك سعة للتفكير الإبداعي أو أي نوع آخر؟ لماذا أصابنا السعار أمام المصالح والسلطة والشهرة والمال؟ أين شعرة معاوية من اختلافنا؟ 

اختلافنا مُسْتَبِدٌّ! نعم مُسْتَبِدٌّ، وليس له حجة أو مرجعية وإلا كان رحمة، فالرحمة دائما نجدها في الاختلاف إن كان الغرض منه تحقيق المصلحة العامة، وعندما يصبح الاختلاف نتيجة مصالح شخصية، يصبح مُسْتَبِدٌّ! والأحداث حولنا كثيرة، في مجتمع أصبح لا ينافسه أحد في قدرته على تشويه بعضه البعض، واتهام كل شخص الآخر بما ليس فيه، والخوض في الأعراض والسمعة بسند ودون سند وتصنيف النَّاس سياسيا ودينيا حسب الهوى، بما يلحق بهم الضرر عمدًا، لمجرد الاختلاف!

الاختلاف يا سادة سنة كونية، فلولا اختلاف البشر لفسدت الأرض وسبحانه القائل بعد بِسْم الله الرحمن الرحيم "وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى العَالَمِينَ" صدق الله العظيم، والمقصود بالاختلاف ليس في الشكل أو اللون أو العرق أو الجنس فقط، بل الاختلاف في الرأي أيضا، حيث يقول سيدنا الإمـام الـشافعـي، رضـي الـله عـنه عن اختلاف الآراء: «رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب».

وإذا أخـذنـا رأي سيدنا الإمـام الـشافعـي في الاعتبار، ما كان لأحد منا أن يغضب من أجل رأيه، بل عليه أن يستمع إلى رأي الآخرين، وإذا أصر على رأيه فعليه أن يقـدم الأدلـة والبـراهين على هذا الرأي بالرفق واللين، "وجادلهم بالتي هي أحسن" هكذا جاء الأمر لنبينا محمد –صلى الله عليه وسلم– حيث أمره الله سبحانه وتعالى أن يدعو الناس لعبادة الله بالرفق والحكمة لا بالتعصب والأمر ومن احتاج منهم مجادلة فلتكن أيضا بالحب والرفق واللين والإقناع والوجه البشوش واللسان الطيب.

وما يجعل الأمر مرا، أن الاختلاف المستبد لدينا هو مـجرد اختلاف فـى آراء دافعها المصالح الشخصية والهوى، أو على أفضل تقدير، الغرور والأنا والتمسك بالرأي، يقول غاندي "الاختلاف في الرأي ينبغي ألا يؤدي إلى العداء وإلا لكنت أنا وزوجتي من ألد الأعداء".

وليتها كانت اختلافا في عقـائد ثابـتة أو مبادئ راسخة، في وقت أصبحت فيه العقائد والمبادئ شعارات يغني بها كل فقير في ثقافة الحوار ومبتلي بغباء الاختلاف، والحقيقة أن هؤلاء الأشخاص لا يميزون ولا يعقلون وفكرة الرأي والرأي الآخر لديهم، هي كلمات يرددها بعضهم كالببغاء دون فهم أو إدراك، فلكل منا عقله وتفكيره، ولا يحب أحد منا أن يقلل الآخرون من شأنه أو يسفهوا من رأيه، ومن الحماقة أن يعتقد هؤلاء أن سواد الباطن قد تخفيه كلمات معسولة وضحكات صفراء!

استوقفني كثيرا ما يحدث في مصر الآن وذكرني بأستاذي الجليل رحمة الله عليه وكنت سريع الغضب وسهل الاستفزاز وقت أن كنت معيدا صغيرا غير ناضج فكريا وكان دائما أستاذي ينصحني أن أتحكم في غضبي وأن أحافظ على هدوء أعصابي ولا أتجاوز مع أي شخص يغضبني حتى لو كان معي الحق، لعل هناك رجعة بلا جرح أو ألم قائلا لي "شعرة معاوية"، والْيَوْمَ أرى غضب المولى عز وجل على من يطلقون على أنفسهم إعلاميين، أو نقابيين أو صفوة أو نخبة المجتمع، فهم لا يعرفًون سوى الاستبداد عند الاختلاف وهم بئس أفراد المجتمع!

لا يشغلني أشخاص، بقدر ما يشغلني وطن تحول إلى مستنقع للتجريح والإهانة والتجاوز دون رادع ويشغلني أكثر، أن من يفعلون ذلك هم من يجلسون على منابر التثقيف والتنوير والتخطيط في وطن يحتاج إلى بناء وتنمية فكرية من أشخاص غير هؤلاء، ولهم أقول اتقوا الله وتذكروا أننا سنرحل ويبقى الأثر!
الجريدة الرسمية