عودة الروح إلى وزارة الداخلية
هناك روح جديدة تسري داخل أروقة وزارة الداخلية، ربما لم نعتدها من قبل، حالة من الطمأنينة والسكون والتوافق النفسي بين كل إدارات وأجهزة الوزارة الأقدم في مصر. لن أبالغ إذا قلت إن تولي اللواء محمود توفيق لمنصب وزير الداخلية كان بمثابة عودة الروح إلى الجسد الذي أنهك.
الآن؛ والآن فقط، لم يعد الأمر كما كان، وعندما كنت أستطلع رأي بعض الضباط في تعيين اللواء توفيق لمنصب الوزير، لفت نظري هذا البريق اللامع في عيونهم، يثق الكثيرون منهم أن وزارتهم أصبحت في يد "ضابط"، بما تحمله الكلمة من معنى يشير جذره اللغوي إلى الالتزام وتحمل المسئولية، وجاء خبر تولي اللواء توفيق لمقدرات الوزارة أشبه بزفة نصر لجيش محارب ها هو قد انتصر، وانتصرت معه إرادة جنوده الذين استقبلوا رجلهم بحفاوة لم ينلها وزير من قبله، سوى اللواء أحمد رشدي، وزير الداخلية الأسبق، رحمة الله عليه..
والأغرب أن هذا الانطباع قد انعكس تماما على المواطن العادي الذي استبشر خيرا فور إعلان التغيير الوزارى. لكن؛ ما الذي دفع الضباط إلى الاحتفاء بقدوم الوزير الجديد بتلك الطريقة التي لاحظها أغلب الذين يتعاملون مع وزارة الداخلية، الإجابة جاءت من أغلب الضباط بسيطة خالية من التعقيد والتقعير..
فالوزير الجديد "ضابط" حالى لم يخرج للمعاش وظل فترة طويلة في الخارج لا يعلم ما يدور بها، له رؤية واضحة وشاملة، سواء على صعيد الأمن الجنائي، أو السياسي، وتاريخ الرجل يشهد له بذلك، فما من مكان ذهب إليه اللواء محمود توفيق، إلا وترك بصمة وأثرا فعالا، وليس أدل على ذلك من جهوده في تعامله مع قضية عرب شركس الإرهابية، وكشفه شفرة التركيبة المعقدة للخلايا العنقودية، ونجاحه في وضع يده على أفراد الخلية في أعقاب الهجوم الذي نفذته على نقطة الشرطة العسكرية بمسطرد، ليكلل الوزير جهوده وتفانيه كرجل أمن مخلص في الإيقاع بأفراد خلية حادث الواحات الإرهابي.
ولعل قائلا يقول إن اليقظة الأمنية ليست بميزة في ضابط الشرطة، إذ إن هذه طبيعة عمله، وما يقتضيه واجبه، لكننا نقول إن هذه اليقظة لم ولن تكن إلا بوجود رجل تحمل واجبات مهنته وأخلص ضميره أمام الوطن الذي أقسم يوما على حمايته وفدائه بروحه.
الوزير ليس له شللية، لأنه يعلم تماما أن الشللية تمثل البوابة الأولى لدخول الوساطة والمحسوبية والمجاملة وتسلل عديمي الكفاءات، وهذا ما نعانيه في جميع مؤسسات الدولة، وكانت سببًا في خلق بيئة طاردة وقاتلة للكفاءات الإدارية، كما أن الرجل ليست له أية ميول لتصفية الحسابات مع أحد، بل على العكس تماما، يحترم المجتهد والمنضبط، ويقيمه بعدالة وشفافية، عكس ما كان يحدث في الآونة الأخيرة من نقل وإحالة الضباط إلى المعاش والاحتياط دون أسباب واضحة».
ورغم أن كلام الضباط عن اللواء توفيق قليل جدا لاعتبارات أمنية لا تصلح للنشر على صفحات الجرائد، لكنه يكشف في الوقت نفسه عن حجم الجرح والظلم الذي سببته القرارات السابقة في صفوف الضباط والرُتب العليا والمتوسطة، والتي وصلت إلى حد التنكيل والإهانة في أوقات كثيرة دون أسباب واضحة، اللهم إلا دافع الانتقام وتصفية الحسابات، وعمت البلوى لتشمل أغلب الإدارات والمصالح الأمنية.
الخلاصة: إذا كان اللواء محمود توفيق، وزير الداخلية الجديد، قد منحه الله تلك الصفات، فالجميع على ثقة بأن هناك ضباطا تم نقلهم دون أن يكونوا قد ارتكبوا أية أخطاء، وهناك ضباط تمت إحالتهم إلى المعاش دون سبب واضح، سيعيد تقييمهم مرة أخرى، ما سيكون له أثر إيجابي على أداء الضباط ويسمح بالتفرغ لمواجهة الأخطار التي تحدق بالبلد، وعلى رأسها خطر الإرهاب، وذلك بنفس راضية، وروح معنوية عالية.