رئيس التحرير
عصام كامل

شقة حكومية بـ ١٢ مليون جنيه


فرصة نادرة، شقة من غرفة واحدة بثلاثة ملايين جنيه فقط، إذا أردت التميز، فهناك مساحات ٣٥٠ مترا، ولن تدفع أكثر من ١٢ مليون جنيه، الشقق الجديدة مضمونة مائة في المائة، إذ إن البائع هو الدولة، وصاحب المشروع هو وزارة الإسكان والدفع مأمون، لن تدفع أكثر من ٥٠٠ ألف جنيه مقدما، وخلال شهرين ستكمل نسبة العشرة بالمائة، أي مليون ومائتى ألف جنيه، الشقق الجديدة بأبراج مدينة العلمين الجديدة.


ومدينة العلمين لمن لا يعلم لها ظهير صحراوى يزيد في مساحته على عدة دول خليجية، ولكن وزارة الإسكان تعمل وفق قاعدة عادل إمام في مسرحية شاهد ماشافش حاجة، فحاجب المحكمة يعيش هو وزوجته وحماته وزوجته في غرفة واحدة، وحسب السيد عادل إمام فإن الرجل يعيش مع هذا العدد من البشر في غرفة واحدة، ويترك بقية الشقة فارغة «!!».. المثير أن طرح الشقق جاء من وزارة الإسكان التي يديرها المهندس دكتور مصطفى مدبولي.

والأكثر إثارة أن المدن المتوسعة رأسيا لا تملك أرضا، بينما يعيش الـ١٠٠ مليون مصرى على مساحة ٧٪ فقط من مساحة البلاد، ويتركون بقية الشقة - عفوا بقية الوطن- بلا سكن، الوزارة العبقرية اختارت أن تنشئ أبراجها في مدينة تتوه وسط فيافٍ شاسعة، ولم تقم تلك الأبراج مثلا في جزيرة الزمالك محدودة المساحة، ويبدو أن صيغة «أفعل» مسيطرة على وزارة الإسكان، فاختارت الأعلى في مشروعها الجديد.

ليست المصيبة في ضيق الأفق من حيث التخطيط العمراني في المدينة الجديدة، التي كان يجب أن تسعى لسكنى الأرض أفقيا وامتداد العمران في أكبر مساحة، وإنما المصيبة الكبرى أن الدولة متمثلة في وزارة الإسكان حادت عن الطريق، واختارت أن تمارس دور السمسار، سمسار أراضٍ، وهى بالطبع المالك الوحيد للأرض في مصر، أي أنها تحتكر سلعة، وتمارس عليها كل علامات الاحتكار.

بالطبع الشقق الجديدة مطروحة أمام العامة، فمن حق الموظف والعامل والعاطل والكادح أن يتقدم للحصول على الشقة، ولن يكون مطالبا إلا بدفع ١٢ مليون جنيه فقط، إضافة إلى ٥٪ صيانة و٥٪ إذا أراد التنازل عنها لغيره، باعتبارها سلعة متفردة، لا يمكن القبول بتنازلك عنها لغيرك دون أن تدفع المعلوم، وشقق الحكومة الجديدة لها ميزتان الأولى أن الأمامية مطلة على البحر الأبيض المتوسط أما الخلفية فإنها مطلة على أكبر بحيرة صناعية في العالم.

ومدينة العلمين الجديدة مخطط لها أن تسع ثلاثة ملايين مواطن، ولم نفكر بعد في الطريقة التي سنجتذب بها هذا العدد من السكان، فلا مشروعات، ولا مصانع، ولا شيء سوى شقق فارهة ترى البحر بواجهة تمتد لأربعة عشر كيلومترا على المتوسط، ومن المدهش أن خوازيق الحكومة الجديدة، والمسماة مجازا أبراجا لن تدر حليبا على المصريين، ولن يخرج منها بترول، ولن يصدر عنها منتج يكتب عليه «صنع في مصر».. هي مجرد خوازيق.. خوازيق وفقط.

على أن مشروع وزارة الإسكان لم يغفل محدودى الدخل، بل طرح لهم شققا أصغر في المساحة، شقة غرفة وصالة بسعر مغرٍ جدا، لن يزيد على ثلاثة ملايين إذ لا يجب أن تتجاهل الحكومة طبقة الكادحين العالقين بين رغيف وزارة التموين وزجاجة الزيت العفنة، فالأمر متاح أمام الجميع، دون أي شروط حتى لا يتصور أحد من الكارهين لهذا الوطن، أن الدولة- لاسمح الله- تنسى أبناءها من ملح الأرض.

الفرصة مواتية فاغتنمها دون تردد، فالحكومة طرحت هذه الأسعار، فما بالك بالقطاع الخاص، ولا تفكر في حكاية انتقالك إلى مدينة العلمين، بينما لا تملك وظيفة أو عملا هناك، بالتأكيد بعد امتلاء الأبراج سيحتاجون إلى عمال وصنايعية وحرفيين، وربما إلى بوابين، فنحن لا ننشئ كيانات اقتصادية، فقط نبنى أبراجا، والأبراج في حد ذاتها أهم من المصانع أو المدارس والمستشفيات أو المزارع.
الجريدة الرسمية