عم «أبهج أديب».. الصديق الأمين معقل حصين
أتذكر أنني خلال فترة الثانوية كنت أدرس نصًا أدبيًا لمصطفى صادق الرافعي بعنوان "الصغيران"، وكان ضمن مقرر اللغة العربية للصف الثالث الثانوي قبل أن يحذفوه من المناهج بعد دراسته لأكثر من ٣٠ عامًا تقريبًا.
المهم في ذلك النص الأدبي ورغم أنني كنت أكره كل ما يحتاج للحفظ؛ فالنص كان به فقرة يجب على الطلاب حفظها نصًا، لأن في الامتحان سيسأل ويقول آتٍ بنص مما حفظت عن كذا.
ولكن رغم ذلك هناك جملة ما زالت معلقة بذهني حتى الآن وهي "كأنَّ تاريخَها يبدأُ جديدًا في ساعةٍ منَ الساعاتِ الفاصِلَةِ، التي يتحوَّلُ عندَها التاريخُ" وكان بتلك الكلمات يصف الرافعي حالة التقاء الأم بأبنائها بعد الغيب والفقدان".
ولكن تظل تلك الجملة تصف لي ما حدث من بعد وفاة الأب الروحي لي ولأبناء جيلي د. أحمد خالد توفيق -رحمه الله-.
كانت وفاته لحظة فارقة من اللحظات التي يتحول عندها مجرى التاريخ، أصبحت أدرك أن لا مشكلة من أن أكون طبيبًا - بعد أربع سنوات بإذن الله- وأن أكون أعشق الأدب والكتب والكتابة من الصغر.
فطلبة كلية طب جامعة طنطا، يكنون له كل احترام، ككاتب وأديب، وكمعلم أيضًا يروي لهم مما تعلمه قبلهم.
وربما حالفني الحظ وقد تعرفت على واحد من أقرب الشخصيات للراحل د. أحمد، ولكن بعدما التقيت به، علمت لماذا هو بعينه كان أقرب لـ«خالد» -كما كان يقال له من المقربين-.
العم "أبهج أديب" -كما أناديه دائمًا منذ تعارفنا- شخصية فريدة من نوعها، فخلال جلسة استمرت تقريبًا نحو الثلاث ساعات، وجدت نفسي أسبح بين الموسيقى والكتب والفن، عربيًا كان أو أجنبيًا، نتحدث عن أحلام ذلك الجيل الذي أعاصره الآن، أو الجيل الذي كنت أتمنى أن أكون فيه، كونه جيل العظماء كما أظن، ففيه كان دكتور أحمد خالد توفيق ودكتور علاء الأسواني، وفيه والدي الحبيب، وفيه دكتور أوسم وصفي، وفيه من أستطيع أن أقول من أفتخر أنني جلست معه، وأتمنى لو تتكرر كثيرًا تلك الجلسة وأن أصبح صديقه أو ابن "العم أبهج".
نعم قلت ابنه، فهو في عمر والدي، وله ابنتان، أكبرهما في نفس عمري تقريبًا، وأثناء جلستي واستماعي لقصص كثيرة، صرت أشعر بالغيرة من تلك الفتيات لأنهن عاصرن قصصًا عظيمة دارت بين العم أبهج وصديق عمره.
ربما ما جذبني في شخصية العم أبهج هو عدم حبه للأضواء والشهرة، فهو الوحيد الذي لم يستغل موت العراب، كما فعل الكثيرون ليلمعوا وتضاء نجومهم ويجذبون الأضواء نحوهم، من كتاب أو أصدقاء، ولكنه فضل أن يحتفظ بالقصص وبأشياء نادرة، يكون المرء محظوظًا لو حالفه الحظ وشاهد إحداها.
مع العم أبهج وجدت مفهوم الصداقة، وجدت معنى كلمة صديق، معنى كلمة أخ، وأن ليس كل من مروا في حياتنا يستحقون البقاء، ولكن البعض يجب ألا ندعهم يرحلون، يجب أن نتمسك بهم وبقلوبهم، ففيهم تجد معاني كثيرة لن تجدها في أشخاص سواهم، من ضمنهم العم أبهج أديب.