الفوضى المجتمعية.. رفعت الجلسة!
الأحداث كثيرة ومُتعاقبة والكثير منا أصبح يفهم في كل شيء ولا يتردد أن يدلو بدلوه في أي شيء بطريقة مصرية أصيلة اعتاد معظمنا عليها، يستطيع أن يحلل أي خبر دون معطيات أو معلومات أو حتى عينة خبرية للتحليل، فقُدرة هؤلاء على تحليل أي شيء فائقة، يصعب على العالم أَن يستوعب آليتها، لدرجة فقدنا معها مصداقيتنا أمام كل إنسان لديه وعي وإدراك في أي مكان في العالم للأسف، فيكفي أن تقول في أي مجتمع إنك مصري لتسمع وترى كلمة "فهلوي" تطاردك بالكلمات والنظرات والإيحاءات إلى أن يثبت العكس!
ولا يخفى على أحد ما يحدث على فيس بوك الآن وخلال الفترة القليلة السابقة في مصر لدرجة أصبح معها مقياس صناعة التريند على فيس بوك مصر في حالة اضطراب عصبي حاد، يفقد معه الوعي، فمن تصريحات المسئول عّن جمعية الأورمان وحديثه عن عدم وجود فقير واحد في مصر، ليجد الجميع يكتب في الموضوع ويقسم أنه لن يتبرع لهذه الجمعية مرة ثانية ويدعو لذلك، ومعظمهم قد يكون لم يتبرع في حياته حتى لمتسول في الشارع، ومن قبلها ارتفاع أسعار تذكرة المترو وتصريحات وزير النقل..
لنجد المحللين الذين يكتبون لنا خبراتهم الدولية مع المترو على مستوى العالم ومعظمهم قد يكون لم يغادر حدود مصر يوما، ثم توقع زيادة أسعار المحروقات والحالة الاقتصادية التي يعيشها السواد الأعظم في مصر وتدني مستوى جودة الحياة، لتجد خبراء في التخطيط والتنفيذ والحكمة الإدارية ويعلمون ببواطن الأمور ويخرج منهم الاقتصادي العظيم الذي يعيش بداخلهم منتظرا الفرصة للتعبير، سواء بالدعم أو النقد..
ثم يأتي اعتذار ترك الشيخ عن رئاسة النادي الأهلي، ثم بيانه الفاضح لسياسة مجلس إدارة النادي الحالي وعلى رأسهم محمود الخطيب، لنشاهد حفلة نارية أبطالها من كل الاتجاهات، منهم الشامتين والكارهين غير المنصفين والمحبين المغيبين، ثم تعمد إصابة راموس للمحبوب الموهوب محمد صلاح واحتمالية تغيبه عّن كأس العالم وتحقيق الأمل للمنتخب المصري وما شهده هذا الحدث من تحول معظمنا إلى أطباء وجراحين عظام ومتخصصين علاج طبيعي مؤكدين على رؤيتهم الطبية الثاقبة وتوقعاتهم النجيبة بكل ما ينشر له علاقة برأيهم بغض النظر عن صاحبه، حتى إن غلب عليه التناقض، ثم اكتشاف وتفسير الوشم في يد راموس والكتابة عنه وتاريخه غير المشرف وكأن الجميع أصبح ينام ويستيقظ على الثقافة والقراءة والتحليل الرياضي!
لا شك أن المحلل لهذه المشاهد سيجد أن الأشخاص نفسهم يعلقون على كل الأحداث بطريقة يغلب عليها العمق والتخصص والتعقيب وإعطاء الخلاصة، وهو ما تذوب معه القضايا ولا يصبح هناك أي موضوع مهم، حتى لو كان غاية في الأهمية والخطورة، فكل موضوع ينهي على الذي قبله ويمحيه وهو ما يفتح الباب على مصراعيه لتكرار القرارات والممارسات المأساوية دون رادع، اعتمادا على هذه الفوضى المجتمعية..
والحقيقة هذه الفوضى المجتمعية قلما تجدها في أي مجتمع راقِ متحضر في العالم، فلا يتحدث عن شيء باستفاضة غير المتخصصين، حتى يستطيع متخذو القرارات تمييز موضوعات الرأي العام من غيرها، تلك الأخيرة التي يعبر عنها الجميع معا لفترة طويلة ولا يؤثر على استمرارها أي أحداث أخرى، ويكون الحديث عنها مجتمعي يدفع المتخصصين للرد والتعقيب حتى لا تزيد البلبلة والتخبط وكلاهما لهم مريدين تقوم بنشر الآراء السطحية سواء كانت مؤيدة أو معارضة دون فهم أو إدراك..
فينتج عنها مزيدا من الرغي والانقسام المجتمعي في كل موضوع بطريقة من شأنها أن تقضي على أي موضوع مهم قبل أن يصبح قضية رأي عام تصنع ضغطا وتأتي بحل، فعندما تزيد القضايا تزدحم المحاكم وتؤجل كلها، المهم منها وغير المهم ولا نسمع سوى: رفعت الجلسة.