رئيس التحرير
عصام كامل

مساجد تهوي إليها القلوب.. «الرفاعي» مسجد ومدفن العائلة الملكية


في منطقة الخليفة بالعاصمة القاهرة، وفي مواجهة قلعة صلاح الدين الأيوبي، وبجوار مسجد السلطان حسن، ووسط عدد من الآثار التي تروي العصور الإسلامية التي عاشتها مصر، يقع مسجد الرفاعي، الذي تهوي إليه قلوب كثير من المصلين؛ لأداء صلاة التراويح في شهر القرآن.



جاءت فكرة إنشاء وبناء هذا المسجد من خوشيار هانم، والدة الخديو إسماعيل، وتُحكى الحكايات عن هذا الأمر، فالبعض يقول أنها كانت قد نذرت نذرًا لله، أنه إن قدر القادر مرور البلاد من الأزمة والظروف الصعبة التي تعيشها إبان فترة حكم ابنها إسماعيل، فإنها ستبني مسجدًا، وحينما مرت الأزمات وخرجت البلاد من عنق الزجاجة، عهدت إلى حسين فهمي باشا، مهندس القصور الملكية ورئيس دائرة الأوقاف حينها، ليضع التصميم الهندسي للمسجد الذي ستفي به "نذرها".


البقعة التي اختيرت لتكون مقرًا لمسجد "خوشيار هانم" كان موقعًا يشغله مسجد صغير من العصر الأيوبي، يُعرف بمسجد "الذخيرة"، كان في مقابل نوافذ مدرسة السلطان حسن، كما وصفه المقريزي، وكانت بجواره زاوية صغيرة كانت تُعرف بـ"الزاوية البيضاء" أو "الزاوية الرفاعية"، كانت مقرًا لشيوخ الطريقة الرفاعية، وبعد وفاتهم أصبحت مقرًا لقبورهم، وعلى رأسهم أبو شباك، من ذرية الشيخ أحمد الرفاعي شيخ الطريقة الصوفية الرفاعية، ويحيى الأنصاري وحسن الشيخوني.



في عام 1869 شرعت الهانم "خوشيار" في تجديد الزاوية، فقامت بشراء الأماكن المجاورة للزاوية وهدمها، وبناء مسجد كبير ليكون وفاء لـ "النذر"، وليكون أيضًا مدفنًا لها ولأبناء أسرتها من بعدها، ووضع حسين باشا فهمى تصميم لبناء المسجد ومدافن الأسرة المالكة وقبتين للشيخين أبو شباك ويحيى الأنصاري، وفي عام 1880 توقف البناء؛ لإدخال تعديلات على التصميم.



في عام 1885 توفيت خوشيار هانم ودفنت في المسجد كما كانت ترغب، ولكن بناء المسجد قد توقف منذ وفاتها، بعدما وصل ارتفاعه مترين، واستمر هذا التوقف لمدة 25 عاما، حتى جاء الخديوي عباس حلمي الثاني، وأمر أحمد خيري باشا، مدير الأوقاف الخصوصية باستكمال بناء المسجد، وعهد هذا الأخير إلى النمساوي ماكس هرتز باشا، مهندس الآثار العربية، لأداء هذه المهمة.


وبالفعل انتهت المهمة بظهور المسجد على الطراز المملوكي، الذي كان سائدًا في القرنين الـ 19 والـ 20، وكان يشبه المباني التي انتشرت في أوروبا آنذاك، حتى أن مواد البناء المستخدمة في بنائه تم استيرادها من أوروبا، وتم افتتاحه للصلاة في 1912 يوم الجمعة، الموافق غرة محرم عام 1330 هجريًا.


كان "الرفاعى" قد بُني على غرار "السلطان حسن"، المسجد المواجه له، من حيث الفخامة والضخامة والعمارة، ومن الداخل بني المسجد مستطيل الشكل، تبلغ مساحته 6500 متر مربع، منها 1767 مترًا أعد ليكون مساحة للصلاة، والباقى المساحة المخصصة لمدافن العائلة المالكة، والجزء المخصص للصلاة عبارة عن مربع تغطيه قبة ذات جمال بديع، واتسم المسجد بالتفاصيل الدقيقة في الزخارف على الحوائط الخارجية للمسجد وعلى العمدان العملاقة التي تزين بوابته الخارجية.


يحوي المسجد عددا من القبور الملكية، فيوجد قبر الخديو إسماعيل، ووالدته خوشيار هانم، صاحبة فكرة بناء المسجد، والملك فؤاد الأول، ووالدته الأميرة فريـال، والملك فاروق، و4 قبور لأبناء الخديو إسماعيل، بالإضافة إلى قبر لابنه السلطان حسين كامل ابن الخديو إسماعيل أيضًا، وآخر لزوجته السيدة ملك، بالإضافة إلى ضريح "جنانيار هانم"، شقيقة فريندنال ديليسبس، مهندس قناة السويس، والتي تزوجها الخديو إسماعيل، وهو ضريح على الطراز المسيحي، يعلوه صليب، وأسفله آيات قرآنية، كما أن المسجد يضم أيضًا قبري زوجتى الخديو إسماعيل الأتراك "شهرت فزا هانم"، و"جشم رفت هانم". 


كما يضم المسجد أيضًا قبر شاه إيران محمد رضا بهلوي، الذي جاء إلى مصر إثر اندلاع الثورة الإيرانية عام 1977، وتوفي في 1980، ودفن في هذا المكان، استنادًا على علاقة النسب التي تربطه بالملك فاروق، فقد كان زوج شقيقته فوزية، وضريحي الأميرة فادية، ابنة فاروق الصغرى، وشقيقتها الأميرة فريـال.


بالرغم من أن خوشيار هانم هي التي كانت صاحبة فكرة إنشاء المسجد الذي يعتبر من أغنى مساجد المحروسة زخرفة ونقشًا، وأنها التي أشرفت هي وحفيدها من بعدها على إنشائه، إلا أن المسجد حتى يومنا هذا يحتفظ باسم "الرفاعي"، نسبة إلى أحمد عز الدين الصياد الرفاعي، أحد أحفاد الإمام أحمد الرفاعي، الذي ولد بالعراق، ولا تزال القلوب تهوي إليه في شهر القرآن.


الجريدة الرسمية