رئيس التحرير
عصام كامل

عبد الحليم محمود يكتب: الصوم فلسفة روحية ورسالة صحية

الدكتور عبد الحليم
الدكتور عبد الحليم محمود

في مجلة الأزهر عام 1976، وبمناسبة قدوم شهر رمضان المبارك، كتب الدكتور عبد الحليم محمود، شيخ الجامع الأزهر، (رحل عام 1978)، مقالاً قال فيه:


«ما أن يحل شهر الصوم حتى يتحدث الناس عن صيام رمضان، وفوائده، وحكمته، وفلسفته، ومشروعيته منذ فرضه الله تعالى إلى الآن.

ولله سبحانه وتعالى حكمة كبرى في فرضه الصيام وجعله ركنًا من أركان الإسلام، وإذا كانت هناك فلسفة روحية للصيام، فإن هناك أيضًا رسالة صحية تقوم على أساس أن إرهاق المعدة بالطعام الزائد على حاجتها يسيء إلى الجسم بصفة عامة، ويجلب عليها ألوانًا من المرض؛ لذلك يقول في كتابه الكريم: (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إن الله لا يحب المسرفين) صدق الله العظيم.

ويقول الرسول الكريم: (إن من السرف أن تأكل كل ما اشتهيت)، إن المعدة تعمل طول العام بلا توقف لذلك تحتاج إلى الراحة عدة أيام.

وإذا لم يمنحها صاحبها هذه الراحة اختيارًا أخذتها على الرغم منه اضطراريًّا بالمرض مثلاً، الأمر الذي يؤدي إلى تعب صاحبها وإرهاقه بالجهد والمال في علاجها.

وكثير منا، نحن المسلمون، من يجعل شهر الصوم هو شهر الإسراف في الطعام والشراب، وكأن الشهر الفضيل عندهم هو شهر الإسراف في كل ما لذ وطاب، لا شهر لمغالبة شهوات النفس، ورغباتها، وتقوية الإرادة، وتدريب النفس على الصبر، وتصفية الروح، وتهذيب النفس.

وقد جعل الإسلام الصيام شهرًا واحدًا، ثلاثين يومًا وليلة كل عام، نأخذ منها دروسًا تهدينا إلى المغالبة وإلى مقاومة شهوات النفس وتعزيزها، وفي ذلك قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم).

ومن هنا وجب أن يكون شهر رمضان المعظم شهر تقشف وتخفف، شهر توفير لا تبذير، شهر اقتصاد لا إفساد، وزيادة على ذلك فهو شهر العطف والرحمة.

فرض الشهر الكريم على المسلم أن يشعر بألم الفقير واحتياجاته، ويشعر الغني بألم الجوع فيحسن إلى الفقير، وبذلك يتم التعاطف والمحبة وينتهي إلى تماسك المجتمع».
الجريدة الرسمية