كذب المتنبى.. هل تفنى عناقيد مصر؟
هل يضمن أى إنسان فى عصرنا هذا أن يعيش مائة عام كاملة؟
هب أنك ستعيش مائة عام، وستعول عشرة أبناء، وسينجب كل منهم عشرة أبناء أيضا، أى أن المجموع مائة فرد فى جيلين متتالين.
وهب أن الفرد الواحد من تلك المائة المبجلة سيحتاج عشرة ملايين جنيه، حتى يورث الرغد من بعده لأجيال مقبلة أيضا؟
إذا افترضنا هذه الحسبة، فمعنى ذلك أن جذع الشجرة سيكون فى حاجة إلى ثروة قدرها مليار جنيه.
إذن: ما الذى يمنع شخصا مثل أحمد عز، أو حسين سالم، أو رشيد محمد رشيد، أو أحمد المغربى، أو علاء وجمال مبارك، وعشرات من رجال الأعمال الهاربين خارج مصر من تقبيل تراب الوطن، والتنازل عن كل ما يملكونه مطروحا منه مليارا واحدا، يحتفظ به كل منهم، كى يضمن بإذن الله حياة كريمة لمائة شخص من صلبه، أو من شجرته، فى جيلين فقط على الأقل.
هل يعلم هؤلاء أن الفرق بين الجائع والشبعان، ربما لا يكون سوى رغيف خبز "حاف"؟
هل يعلم هؤلاء أن شخصا منهم فقط، كفيل بأن يغنى مصر ذل الانبطاح لجبابرة صندوق النقد والبنك الدوليين، بشروطهما المخزية؟
ألا يساوى موطئ قدم واحدة فى أرض الوطن، كل ثروات الدنيا، بالنسبة لأى مواطن يحب وطنه، سواء فى الصومال، أو فى هولندا؟
فما بالك إن كان هذا الوطن مصر، والشخص المعنى بالتنازل مصريا حتى النخاع، سقط رأسه بين كفى "داية" مصرية على شبر من أرض مصر، ومن رحم أم مصرية حملته وهنا، وأرضعته صبرا، ومن المؤكد أنها تضرعت لخالق السماء يوما ما، أن يجعله ملء السمع والبصر؟
لقد أصبح المتهمون المعنيون بالتصالح مع مصر ملء الأسماع والأبصار، لكن بما لا يسر الأم التى ولدت، ولا الأم الصابرة "مصر" التى تنوء بحملها، ويخشى عليها من الموت بانخفاض حاد فى دورتها الدموية.
ربما يجدى تصالحهم مع مصر فى تجفيف دمعتها، أو تضميد جرح غائر أحدثه هؤلاء فى قلبها، حتى هددها الموت نزفا، لتسجل سابقة تخزى المتنبى فى قبره، بعد أكثر من 1100 عام من وفاته، حيث قال حاسدا: نامت نواطير مصر عن ثعالبها/ وقد بشمن وما تفنى العناقيد.
وما حدث لمصر خلال الأعوام الثلاثين الماضية، يفيد أن رجال مبارك عاهدوا أنفسهم على ضرب نبوءة المتنبى فى مقتل، فأكلوا حتى قاربت عناقيد مصر على الفناء، وهى التى غطت بكنوزها وثرواتها طمع كافور الإخشيدى وجشع رجاله.
الحالة المصرية الراهنة فى أمس الحاجة إلى توبة من أفسدوها، كى يصلحوا ما يستجيب للعلاج الفورى، فتنهض مصانع ومؤسسات خربها جشعهم، بحيث أصبح الفرد منهم أغنى من دولة.
هل يتنازل حسين سالم فعلا عن 75 % من ممتلكاته داخل مصر، و55 % من ثروته خارجها، لصالح البلد الذى جعله فعلا ملء السمع والبصر على الكرة الأرضية، ليحصل مرة أخرى على درجة "مواطن صالح"؟
وهل يحذو حذوه السجين أحمد عز، الذى من المؤكد أنه اشتاق للمشى فى خيلاء مرفوع الرأس فوق تراب مصر وتحت سمائها، وبين القلاع الصناعية التى آلت ملكيتها إليه بفضل تقربه من أبناء مبارك؟
ألا يعلم أبناء مصر الهاربون من حضنها، أنهم يستطيعون ضخ النماء فى أكثر من عشرة ملايين فدان صحراوية فى ثوب مصر، حين يردون إليها ما سرقوه منها؟
هل يقبل هؤلاء أن يشتروا صفحة فخار جديدة فى كتاب الوطن؟
