إذن أنا كافر بالـ "3"
كل سنة وأنت طيب يا أبو إيلي، كل عام وانت أحلى من إيلي يا أمل، كل عام وانت بألف صحة يا أم أمل.
تلك كانت ثلاث مكالمات أجريتها من هاتفي المحمول نهار الخميس الثاني من مايو، لأسرة إنجيلية تقيم ما بين حي مصر الجديدة ومدينة الرحاب في القاهرة، حيث ربطتني بها علاقة عاطفية تقترب من الأخوة للأبناء، وتفوق البنوة تجاه الأم التي قاربت الثمانين من العمر.
أحسست بصدق المشاعر ودفئها من رد الفعل على مكالماتي الثلاث، وحمدت الله أن ضمني طوعا لملايين المصريين الذين هنأوا إخوانهم في الوطن بأعيادهم، على الرغم من صدور فتاوى من بعض شيوخ الفتاوى العشاوئية بتكفير كل من يهنئ مسيحيا بعيدة، على اعتبار أنه لا أعياد على الأرض إلا ما جاء في القرآن، "فطر" و"أضحى".
أتعجب من خروج هؤلاء في هذا الوقت تحديدا، أي بعد ثورة ظننا أن المصريين بعدها سيتحررون من كل ما حاق بهم سابقا من مؤامرات تعمق الفتنة الطائفية، وتزيد الصدع بين شقي الوطن الواحد، وهو ما يصب في صالح نجاح خطة أمريكا وإسرائيل، بحرق بلاد العرب ذاتيا، بعضهم يحرق بعضا.
لن أنسى الرائد طلعت ـ لم أعد أذكر لقبه ولا أعرف إن كان حيا أم ميتا الآن ـ حيث كان ذلك عام 1987، وكنت مجندا، إذ كان يتوسط سفرة "ميس" الضباط، منذ ما قبل آذان المغرب في رمضان بنحو عشر دقائق، ينتظرون ختام القرآن، ثم انطلاق المدفع، ومن بعده الآذان، كي يفطروا جماعة.
لم يُضبط الرائد طلعت طوال شهر رمضان متلبسا بشربة ماء، أو سيجارة، أو ساندويتش، ولو على سبيل الخلسة، ولم نكن أيامها نعيش زمن المزايدات، حتى نقول إن الرجل يمالئ زملاءه الضباط في صيامهم، لكن تلك أخلاق المسيحيين المصريين الذين ضربوا أمثلة في الوطنية، يبخسها وصفي.
وفي عيد من أعياد المسيحيين، يحضرني أن أزف خبرا لا يعرفه الكثيرون في بلد تقترب نسبة المسلمين فيه من الـ 90 %، حيث علمت بالصدفة، أسرة مسيحية أوقفت مبنى عريقا في أسوان لصالح المسلمين، تم استثماره كواحد من أكبر فنادق أسوان، كما أقيم فيه مسجد كبير، تشرف عليه هيئة الأوقاف المصرية.
كما أن هناك الكثير من الموسرين المسيحيين، يخصص في رمضان مبالغ كبيرة لإفطار الصائمين، ويقيم موائد رحمان دون أن يعلن أنه صاحبها، ناهيك عن أن شركات كبرى مملوكة لمسيحيين في مصر، لا تجد فيها تمييزا للعاملين وفقا لديانتهم، إذ تجد مسلما يترأس مسيحيين، لتكون الأفضلية للخبرة، وليست للدين، أو الحزب، أو الجماعة، كما يفعل "الإخوان المسلمون" بالدولة حاليا.
ما دفعني لإعلان حالة الكفر بهذه الفتاوى، وبالتالي اعترافي بالخروج على أصحابها، ما رأيته بعيني وسمعته بأذني نهار الخميس على قناة "الفراعين": واحدا من شيوخ الفتاوى الخارجين من الجحور، لم أتورط في معرفة اسمه، يكيل الفتاوى، ويصب جام غضبه على المسلمين الذين يهنئون المسيحيين بأعيادهم.
دفعني منظر "المستشيخ" غيظا لمخالفته عمدا، إذ بحثت في محيطي عن مسيحيين، وبالفعل أكرمني الله بعائلة كاملة كانت قد اجتمعت بالصدفة في محل يجاورني في المقطم، فأصطحبت معي صديقي حسن الكريمي، لنهنئهم بعيدهم، وعلى الرغم من تسجيل نفسي طائعا في خانة "الكفرة" من وجهة نظر "المستشيخ"، حزنت جدا لردة الفعل "المستغربة" من قبل "المعيدين".
وقبل أن أسأل عم حسن الكريمي عن سبب ردة الفعل الباردة، أخبرني الرجل بأنهم قد سمعوا رأي أصحاب الفتاوى، الذين ترصدوا قبل عيد المسيحيين بعدة أيام، لحقن سمومهم في أوردة الوطن، وهم يظنون أنهم يحسنون صنعا.