رئيس التحرير
عصام كامل

الحلم المشروع!


في لحظات فاصلة في حياتنا، نتخيل أنفسنا في صالة الوصول لمحطات نتمني الذهاب إليها، تختلف هذه المحطات باختلاف أعمارنا ونضج فكرنا وخبرتنا، وسلامة مكونات شخصيتنا، فكل إنسان في هذه الحياة يتمنى، وكل شيء يتمناه يصبح له حلمًا، من الطفل الصغير الذي يريد لعبة، والشاب المراهق الذي يتمنى الزواج ببنت الجيران أو زميلته في الدراسة، والطالب الذي يتمنى الالتحاق بالجامعة التي يحبها وطالب الجامعة الذي يتشوق إلى يوم التخرج والخريج الذي يسعى إلى العمل بمؤسسة كبيرة.. إلخ.


والمؤكد أن الإنسان المغيب فقط هو الذي يفتقد شيئًا يتمناه في أي مرحلة من مراحل حياته، فهو شخص لا يمكن له أن يحلم، والإنسان الذي لا يملك الحلم، لا يملك السعادة، فحالة الحلم هي حالة استثنائية فريدة تحفز إفراز هرمون السعادة وتعيد الحيوية والنشاط للعقل، وتدفع بالإنسان إلى الجد والعمل والسعي وتعلو الابتسامة وجهه باستمرار، والشاهد أن أي شيء مهما بلغت عظمته إذا تحقق للإنسان دون أن يحلم به، لا يشعر معه بنشوة أو سعادة ولذلك فإن الحلم حق يجب علينا جميعًا التمسك به، بل إننا لا نتوقف عن الحلم طالما ما زال القلب ينبض في صدورنا!

والحقيقة أن كل الأحلام مشروعة طالما امتلك صاحبها مقوماتها ومعطياتها أو سعي لذلك، واجتهد لتحقيقها بطرق مشروعة، وبمبادئ لا تتغير حسب المراحل، ولا تتجزأ حسب الهوى، وبشرط أن يختفي من وصفة تحقيق الحلم مبدأ خبيث وراء كل دمار وخراب "الغاية تبرر الوسيلة"، فالحلم المشروع غاية نبيلة ولا يمكن لها أن تتحق إلا بوسائل نبيلة، وإذا افتقد أي حلم هذا الشرط الجوهري، افتقد مشروعيته على الفور وببساطة شديدة ودون تعقيد، والحقيقة أن الفرق بين هذا وذاك، هو نفسه الفرق بين الثري والثريا والغث والسمين!

والحلم المشروع مثل الحمل الحلال تتباهى به الزوجة ويسعد به الزوج وتفرح له الأسرة والأحباب والأصحاب، بل تسعى دائمًا الزوجة البكر الرشيد لإظهار علامات حملها الأول في مشهد تتمناه كل من تراها، وعلى النقيض تمامًا يأتي النوع الآخر، فهو تمامًا مثل الحمل الناتج من سفّاح، فهو نتيجة علاقة غير مشروعة لا يستطيع أي طرف من أطرافها بالمجاهرة والكشف عن ما حملته لأصحابها من خزي وعار وهلاك في الدنيا والآخرة وباعث لهدم المجتمع بإنتاج لقيط لا يعلم مصيره إلا الله، ولعل العالم المفتوح الآن وتعدد وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت كاشفة لمن يحمل النوعين!

لقد أردت أن أرسل دعوة للحلم المشروع لنا ولوطننا الغالي، حتى لمن سلك لحلمه طريقًا غير مشروع، فطريق التوبة دائما مفتوح لا يغلق والحلم غير المشروع معصية ولا يوجد أحد بيننا معصوم من ارتكاب المعاصي، ولكن الاستمرار في المعصية لا يأتي بخير، وهنا أتذكر قصة سيدنا الامام الشافعي رحمه الله، حيث كان الإمام الشافعي سريع الحفظ، ولكن حدثت معه حادثه وقت أن كان طالب علم، جاء إلى شيخه الذي يسمى "وكيع" فقال له يا شيخ لم أعد أحفظ بسرعة ولم أعرف السبب..

فقال له الشيخ لابد أنك ارتكبت ذنبًا ما؛ فراجع نفسك، فرجع الإمام الشافعي إلى نفسه ليتذكر أي ذنب أذنب فتذكر أنه رأى عن غير قصد جزءًا من قدم امرأة مرت أمامه "عقب أو كعب القدم"، فذكرها لشيخه فقال له هذه هي العلة ولا شك؛ فأنشد الإمام قائلا: "شكوت إلى وكيع سوء حفظي، فأرشدني إلى ترك المعاصي، وقال لي إن العلم نور، ونور الله لا يهدى لعاصٍ".
الجريدة الرسمية