تداعيات «غصن الزيتون» تصل مساجد ألمانيا
أثرت تداعيات العملية العسكرية التركية ضد الميليشيات الكردية في مدينة عفرين بشمالي سوريا مستمرة في تركيا والمنطقة، على الداخل الألماني وساهم في ذلك تقارير تناولت استخدام مدرعات مصنوعة في ألمانيا في هذه العملية العسكرية.
ودعا أئمة من مساجد تابعة لاتحاد "ديتيب" التركي الإسلامي إلى إقامة الصلاة والدعاء لنجاح الهجوم العسكري التركي على الأكراد في عفرين، وتحدثت عدة وسائل إعلام عن ذلك، فذكر موقع "شبيجل أون لاين" أنه يمكن قراءة ذلك على "فيس بوك" لبعض رجال الدين المسلمين؛ حيث كتب أحد الأئمة من ولاية بادن فورتمبيرج: سنصلي من أجل الدعاء بـ"النصر لجيشنا البطل وجنودنا الأبطال".
صلاة من أجل الحرب
ورفض اتحاد "ديتيب" التركي الإسلامي، الذي يقال بأن له صلة وثيقة مع إدارة الشئون التركية الدينية، وهي أعلى السلطات التركية، بشكل قاطع هذه الادعاءات. وقال الاتحاد، الذي يتخذ من مدينة كولونيا مقرًّا له، في بيان له: إنه لم تكن هناك دعوة بشكل مركزي مطلقًا، والقرار حول خطب الصلوات تتخذه فروع الاتحاد لكافة الطوائف الدينية بنفسها.
لكن الاتحاد لم ينأى بنفسه عن هذه الادعاءات، الأمر الذي لم يفاجأ المحامية سيران أتيش، التي ترى أن استخدام عبارة أنه "لم يأمر بذلك بشكل مركزي ادعاء للدفاع عن النفس"، ويقول عضو سابق في مؤتمر الإسلام الألماني: "إن مجرد قيام رئيس تركيا من خلال إدارة الشئون التركية الدينية بإضفاء صبغة دينية على هذه الحرب، أي باستخدام المسجد، فضيحة".
السياسي التركي مصطفى ينيروغلو قال في مقابلة له مع إذاعة دويتشلاند فونك: "لم تُقم الصلاة من أجل الحرب، وإنما من أجل سلامة الجنود الأتراك وحلفائهم ومن أجل أمن البلاد، وهذا على الأرجح الشيء من البديهيات".
ويشير عضو حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم، بالنظر إلى تجرِبته الشخصية في ألمانيا، إلى أنه يتم في الكنائس المسيحية أيضًا الصلاة من أجل "الحماية ومن أجل الجنود الألمان الذين قتلوا"، وترى سيران أتيش العضوة المساهمة في تأسيس أحد المساجد الليبرالية ببرلين، أن مثل هذه المقارنات هي مقارنات تفتقر إلى التدبر، فالموضوع له دلالة مختلفة، حين يتورط الناس كمؤمنين في حرب تم الإعداد استراتيجيًا لها لمدة طويلة، تحجب الشئون الداخلية".
التحرر من أنقرة
خلال لقائه بـDW روج بيرند غيدوان باوكنيشت، أستاذ دين إسلامي من ولاية شمال الراين وستفاليا، لضرورة أن يتمتع النقاش بالموضوعية، معتبرًا أنه يتسم بـ"الهستيرية" إلى حد ما، ولا يتصور باوكنيشت أن تكون الدعوة إلى الصلاة من أجل الحرب قد تمت بناءً على أمر من الرئيس التركي غير أن العضو السابق في مؤتمر الإسلام الألماني يستدرك ذلك ويقول إنه من المرجح بشكل كبير أن تكون هذه الدعوات للحرب قد تمت في بعض مساجد الاتحاد.
ويقول باوكنيشت: "أدين هذا، ولكن في الوقت نفسه أدعو إلى التفكير لبضع لحظات في مشاعر العديد من المواطنين الأتراك"، ويضيف: "وقع في السنوات الأخيرة في الحقيقة عدد لا يحصى من الهجمات من قبل تنظيم داعش وحزب العمال الكردستاني على الأراضي التركية.
ويعلل باوكنيشت: "يشعر العديد من الناس بالتهديد، ولهذا السبب يُنظر إلى مسألة الدفاع عن حدود البلاد بنظرة مختلفة تمامًا"، ويرى أن المسئولية تقع على عاتق الجمعيات الإسلامية في ألمانيا وأن الاتحاد "ديتيب" التركي الإسلامي يمكنه استعادة الثقة المفقودة فيه، عندما يتحرر بشكل علني وبمصداقية عن إدارة الشئون التركية الدينية "ديانات"، مطالبًا بأن يُهتم في ألمانيا بالمسلمين الألمان، فقط".
الإسلام في ألمانيا
ولكن الواقع يبدو مختلفًا تمامًا، فمنذ محاولة الانقلاب في تركيا في يوليو 2016، توصلت السلطات الألمانية مرارًا إلى محاولات تركيا للتأثير على المشهد الديني الإسلامي في ألمانيا، وفي رد لوزارة الداخلية الاتحادية على طلب حزب اليسار في ديسمبر الماضي، قالت الوزارة: إن الحكومة في أنقرة تحاول التأثير على منظمات ذات صلة بالحكومة وجماعات ضغط وحتى على طوائف دينية.
وجرت أيضًا من قبل مناقشات حول التأثير السياسي على المسلمين، وذلك قبل الاستفتاء الدستوري المثير للجدل، والذي حصل من خلاله الرئيس التركي على صلاحيات أكبر بكثير في جهاز الدولة، ونتيجة لذلك يُفترض أن يكون أئمة قد تجسسوا على خصوم أردوغان من حركة "غولن".
وأظهر استفسار وجهته DW لمعاهد اللاهوت الإسلامي المختلفة في الجامعات الألمانية، أن الممثلين هناك ترددوا في إعطاء تصريحات حول الجدل بشأن الصلاة والدعاء من أجل الحرب، وأحد الأسباب المحتملة وراء هذا التردد يمكن أن يكمن في أنه يوجد هناك أيضًا ممثلون من اتحاد "ديتيب" التركي الإسلامي في المجالس الاستشارية للعديد من البرامج الدراسية.
نقاش الاعتداءات على المساجد
يعتبر السياسي التركي من حزب العدالة والتنمية الحاكم، مصطفى ينيروغلو أن النقاش في ألمانيا يشهد تضليلًا تامًا، ويرى أنه بدلًا من توجيه أصابع الاتهام إلى اتحاد "ديتيب" التركي الإسلامي، وجب وقف الاعتداءات المتزايدة على المساجد.
إذ وقعت هذا الأسبوع هجمات على مساجد في مدينتي ميندن ولايبزغ، حيث تم تلطيخ الجدران بالألوان وتحطيم النوافذ، كما شهدت المطارات مؤخرًا أيضًا صدامات بين المتظاهرين الأكراد والمسافرين الأتراك، وفي هذا السياق يقول السياسي التركي: "هنا يجب على المرء الانفعال، لأن العديد من مؤيدي حزب العمال الكردستاني يهاجمون المساجد ويضايقون المسلمين الأتراك بشكل دائم في الشوارع الألمانية دون أن يزعج هذا الرأي العام".
وتصف المحامية سيران مثل هذه التصريحات بأنها تعبر عن "موقف أحادي" و"موقف الضحية"، إذ كانت هناك هجمات على مؤسسات اللاجئين وعلى الأجانب والمهاجرين، بحسب الناشطة ذات الأصول الكردية.
وتقول سيران: "كل هذا موجود في الحقيقة، لكن السيد ينيروغلو يحبذ التغاضي عن الكراهية التي تشعلها المساجد التابعة اتحاد "ديتيب" التركي الإسلامي والتي لا تعزز بالضرورة سياسة الاندماج".
وتدعو سيران إلى إعادة التفكير قائلة: "مبدئيًا اعتبر ذلك فضيحة، فالسياسة الألمانية لا تزال تقبل ديتيب بشكل كامل كشريك في التعاون والحوار".
وتضيف أنه قد أصبح واضحًا للجميع أن تركيا تمول اتحاد "ديتيب" التركي الإسلامي، وأن السيد أردوغان يؤثر بشكل مباشر على سياسة الاتحاد المحافظة، وتقول المشاركة في تأسيس مسجد ابن رشد -غوته في برلين: "إن خداع السياسة الألمانية لنفسها لم يعد مقبولًا لدى الرأي العام".
هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل