«القطط السمان» في عهد «السادات».. «أباطرة» استغلوا الانفتاح لتحقيق ثراء فاحش
غرقت مصر في الديون الخارجية في بداية حقبة الرئيس الراحل محمد أنور السادات، حيث كانت 5 مليارات دولار بنهاية عهد جمال عبد الناصر، وتضاعفت الديون بسبب حالة الحرب، والحالة الاقتصادية المريرة آنذاك، التي وصفها السادات بأنها وصلت لـ"الصفر".
أسرع السادات في إصدار بعض القرارات وسن قوانين عديدة، بهدف الوصول لحالة من الانفتاح الاقتصادي تمكنه من خلق شريحة رأسمالية والقضاء على الاشتراكية، ونتج عن هذه السياسات ظهور طبقة متسلقة طفيلية، استغلت قربها من دوائر صنع القرار في تحقيق ثراء فاحش أطلق عليهم "أثرياء الانفتاح".
عصمت السادات
قال الكاتب الصحفي الراحل محمد حسنين هيكل، في كتابه "خريف الغضب": إن مصر في تلك الحقبة أصبحت مفتوحة للوسطاء والسماسرة والأجانب بحِللهم الأنيقة وأحذيتهم اللامعة ومواكبهم الفخمة، وتم تطويق القطاع العام خاصة في مجال انتزاع صفقات السلاح، وتم فتح الباب على مصراعيه أمام الوكلاء لكل شيء من كل حدب وصوب (الانفتاح)، حتى وقف المستشار الفذ ممتاز نصار في مجلس الشعب عام 1980 يصرخ "إن مصر بها الآن 17 ألف مليونير، ربما 7 آلاف منهم حصلوا على أموالهم بدون فساد، ونحو 10 آلاف حصلوا على أموالهم بدون سند ومُبرر قانوني".
وأُثيرت اتهامات بشأن أغنياء مصر الجدد منهم شقيق الرئيس "عصمت السادات"، الذي قال عنه أنور السادات إنه خضع للتحقيق على يد جهاز المدعي الاشتراكي، وخطب قائلا: لا للأحقاد وترويج الشائعات ضد الناجحين، ونحن بلد مؤسسات، وكل من يخرج على القانون يحاسب بمؤسسات الدولة.
الحظ لم يحالف عصمت السادات كثيرا في أخذ قسط وافر من التعليم، إلا أنه في أعقاب حادث المنصة في 6 أكتوبر 1987، اكتشف أن ممتلكات شقيق الرئيس أراض زراعية، وأراض بناء، وفيلات وعمارات، ومحال تجارية ومصانع ومخازن وورش، وسيارات ركوب ولوريات نقل، ووكالات للاستيراد والتصدير، وشركات للمقاولات.
في عام 1982، تم القبض على عصمت السادات والحجز على أمواله، وحققت معه أكثر من 22 لجنة من جهاز المدعي الاشتراكي الذي كان يترأسه آنذاك المستشار عبد القادر أحمد علي، وصدر القرار بمصادرة أموال عصمت السادات وأبنائه تنفيذًا لحكم نهائي صادر من محكمة القيم في 12 فبراير شباط 1983 برئاسة المستشار أحمد رفعت خفاجي نائب رئيس محكمة النقض.
وقالت المحكمة في حيثياتها: "انقلبوا كالثعالب الضالة يتصيدون ضحاياهم ويمتصون دماءهم ويخربون اقتصاد مصر ويلتهمون من خيراتها ويفسدون الحياة السياسية في البلاد، لا هم لهم إلا السطو والنهب وجمع المال والاستيلاء على الغنائم مسلحين بالجشع والأنانية وحب الذات ومتخذين الحيلة والنصب والوساطة والرشوة وفرض الإتاوات بالإرهاب والتهديد ركابًا إلى إثمهم وعدوانهم بغرض الكسب السريع، دون اكتراث بأحكام القانون ودون النظر إلى أنهم بذلك يخرجون على مبادئ القيم ويخالفون أبسط قواعد الأخلاق، ذلك أنهم نفوس لهثت وراء الثراء فداست بأقدامها كل القيم الإنسانية والإنسان أيضًا، مما يصدق عليهم وبحق أنهم عصابة المافيا التي ظهرت في مصر ونشرت فسادها في أرجاء البلاد".
وأضافت: "في الوقت الذي يعيش فيه أفراد الشعب تحت وطأة الحاجة، ظلت هذه الفئة الطفيلية تسرح وتمرح دون رادع إلى أن استطاعت بوسائلها الخبيثة تكوين ثروات طائلة تقدر بالملايين من الجنيهات بالنسبة لكل واحد منهم، كل ذلك بعد أن انقضوا على كل ما هو محرم، فارتكبوا من الأفعال الضارة بالمجتمع ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر، إذ تخشبت قلوبهم، وتكلست ضمائرهم، ولم يرحموا مصر وهي تشكو وتئن من اقتصادٍ مرهق يعيش أغلب الناس فيه تحت حد الفقر، معتقدين أنهم بمنأى عن مخالب القانون وأنيابه، وأنهم أسياد مصر وفوق المحاسبة ومتناسين أن الله يمهل ولا يهمل وأن يوم الحساب لا ريب فيه، فسطوة القانون قائمة ولا أحد فوق المساءلة ولا أحد فوق القانون".
• رشاد عثمان
قال له الرئيس الراحل أنور السادات: "الإسكندرية أمانة في رقبتك يا رشاد"، فتعد قضية رشاد عثمان الأشهر في تاريخ قضايا الفساد، حيث تحول من عامل في ميناء الإسكندرية يتقاضى 30 قرشا يوميا، حتى مثوله أمام المدعي الاشتراكي الذي حقق معه في مصدر أموال سائلة وممتلكات بلغت قيمتها آنذاك 300 مليون جنيه.
في الثمانينيات وبفعل اقترابه من النظام الحاكم تحول رشاد عثمان من تاجر هزيل إلى مليونير، وذلك بفضل تجارة الأخشاب والمخازن التي أخذ يشتريها وألاعيبه في الجمارك وميناء الإسكندرية، حيث قفزت ثروته فجأة.
في عام 1964، بدأ رشاد عثمان نشاط أعماله التجارية في الإسكندرية في تجارة وتوزيع الأخشاب، وفي 1972 أسس أولى شركاته "شركة القاهرة للنقل بالسيارات".
وفي عام 1978، استغل «عثمان» سياسية الانفتاح التي انتهجها السادات، وأسس شركة "رشاد عثمان للأعمال البحرية"، التي ما لبثت حتى توسعت في استثماراتها وشملت أنشطتها الملاحة والسفن التجارية، والاستثمار العقاري.
وبرحيل السادات سقطت إمبراطورية "رشاد عثمان" وانتهى "عامل الميناء" رغم ما كان يتمتع به من نفوذ.