رئيس التحرير
عصام كامل

السادات في مذكرات الثعلب الأمريكي «كيسنجر».. تنازلات غير متوقعة وانتصارات وهمية

الرئيس الراحل السادات
الرئيس الراحل السادات

لم يكن ثعلب الدبلوماسية الأمريكية هنري كيسنجر، يستطيع التغلب على الدهاء السياسي للرئيس الراحل السادات، ويوقف زحف الجيش المصري للتقدم إلى الخطوط الأمامية للعدو الإسرائيلي، وتحول هزيمة إسرائيل، الذي كان متوقع، في الساعات الأولى لحرب أكتوبر 1973، إلى نقطة اللا هزيمة واللا نصر.


دهاء السادات
الأمر يبدو غريبًا على دهاء الرئيس الراحل السادات، لكن مذكرات هنري كيسنجر تقول عكس ذلك، فالرئيس السادات الذي آثر الاحتفاظ بموعد حرب أكتوبر، فحقق هزيمة ساحقة على العدو الإسرائيلي، قال عنه كسينجر في مذكراته: "اعترفت إسرائيل في مساء يوم 7 أكتوبر بفقدان 35 طائرة مطورة، وأعلمتنا إسرائيل أن تسعة جسور من أحد عشر جسرًا ركبت على القناة دمرت..."

كانت الثعلب الأمريكي يري في بداية المعركة أن السادات يتحلي بدهاء بدا واضحًا في بداية حرب أكتوبر، حيث قال: "تلقينا في غضون ذلك تقارير متناقضة حول موقف السادات، ويقال إنه صرح لسفير إحدي دول أوروبا الغربية عدم موافقته على انعقاد مجلس الأمن الدولي، ولا يقبل بوقف إطلاق النار قبل أن تستعيد القوات المصرية جميع الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967".

لعبة المناورة
وهنا يبدو مكر هنري كيسنجر، عندما بدأ لعب المناورة مع السادات لكسب الوقت وإرسال مزيد من المعدات والأسلحة لإسرائيل، حيث ذكر "كسينجر" في مذكراته: "كان القرار الذي اتخذناه في الساعات الأولى للحرب هو عدم السماح بهزيمة إسرائيل، وكان مقتل 2600 إسرائيلي، شكل ضربة قاسية وقد تعهدت لمبعوثي تل أبيب بضخ المساعدات وبدأنا في تزويدهم بالفانتوم".

اتصال القاهرة
وبدأ الاتصال بين الجانب الأمريكي ومصر، وقال كيسنجر في مذكراته "حصلنا في هذا اليوم (7 أكتوبر) على أول اتصال مباشر مع القاهرة، لقد كانت اللهجة ودية، وكانت الفحوي دليل عقل لا سياسة، فلقد أبلغني حافظ إسماعيل مستشار الرئيس السادات للأمن القومي بمذكرة وطلتني عن طريق الأجهزة السرية بالشروط التي تضعها مصر لإيقاف الأعمال العسكرية".

وأضاف كيسنجر: "السادات يعرف من خلال ما جري بيننا في السابق من اتصالات ومحادثات أن لديه أفكار لا يمكن تحقيقها، فلم يخالجني شك أنه ليس الآن بصدد اتفاقية، بل إنه يسعي إلى إجراء محادثات والاتصال بنا في حد ذاته، في الظروف الحالية يشكل له خطرًا، وهو لا يستطيع أن يسمح للخطر بالتفاقم، من حيث تخليه عن سورية أو الابتعاد عن الاتحاد السوفيتي، الذي لا غني له عن مساندته لإكمال مسيرة الحرب".

تنازلات وتسهيلات
واستمر كيسنجر عن السادات "وفي حال قبوله بتقديم تنازلات وتساهلات، ربما تشمل سورية، وهذا يعني حمل سورية التخلي عن الحرب التي تشاركه فيها، أو حمل الاتحاد السوفيتي على تقليص إمداده بالعتاد".

لم يتوقف كيسنجر في مذكراته عن هذا الحد، وبالرغم من تفوق الجيش المصري على الإسرائيلي لكن السادات أراد أمرًا آخر قال عنه كسينجر "كان السادات يدعونا للإسهام في مششروع السلام، إن لم نقل إنه يكلفنا بذلك، في حين كنا نطلب الأمم المتحدة أن يتخلي عن تلك الأراضي التي يدعي ملكيتها والتي احتلتها جيوشه، السادات متفهم جدًا لتلك الحدود التي يتمكن من الوصول إليها".

المذكرات
الغريب ما أفصح عنه السادات في مذكرات كيسنجر "ليست نيتنا التعمق في أراضي الغير، أو توسيع جبهة القتال"، هذه الجملة توقف عندها كيسنجر قائلًا "هذه الجملة لا تخلو من التنويه بأن مصر غير راغبة في متابعة العمليات العسكرية ضد إسرائيل، بعد الأراضي التي كسبتها، أو تحميل أمريكا كامل مسؤولية ما يحدث كما فعل عبد الناصر عام 1967".

كان كيسنجر يعلم أن السادات يريد مفاوضات سياسية، فأوقف توغل الجيش في عمق سيناء، وبالرغم من ذلك قامت أمريكا بالمناورة وأمدت جيش الاحتلال الإسرائيلي بالأسلحة المطلوبة، التي تساعد على تفوق إسرائيل، كما كانت ترغب في عدم تفوق المصريين وتحقيق الانتصار بالأسلحة السوفيتية، طاربة بعرض الحائط ما أبداه الرئيس السادات من تفهمات سياسية وتفضيله التفاوض الدبلوماسي عن العمل العسكري، الذي كان سيمكنه من إملاء شروطه.

توجه كيسنجر في 7 نوفمبر 1973إلي الشرق الأوسط للقاء السادات في في مباحثات أولية، وخلال تلك المحادثات الخاصة قام السادات بتوقيع مقترح ناقشته جولدا مائير في اجتماعها مع كيسنجر (3 نوفمبر)، والذي عكس ما كان يجري في مباحثات 101.

يقول كيسنجر إنه هو الذي أوحى للسادات أن المشكلة بين مصر وإسرائيل هي مشكلة نفسية نتجت عن عدم ثقة إسرائيل بنوايا مصر، وخوفها على أمنها، قائلًا "يجب على مصر أن تعطى إسرائيل الإحساس بالأمان".

رفض عبدالناصر
ووافق السادات على ما قاله كيسنجر معتبرًا أن المشكلة الأساسية حدثت عندما رفض عبد الناصر الاعتراف بالهزيمة عام 1967، وإصراره على الحل العسكري للصراع مما كلف مصر الكثير، حسب مذكرات كيسنجر، واتفق الطرفان، في نهاية الاجتماع، على مشروع النقاط الست، التي وضعتها جولدا مائير ونصت على موافقة مصر وإسرائيل على الاحترام الدقيق لوقف إطلاق النار الذي أمر به مجلس الأمن.

كما وافقا على البدء فورًا في تسوية مسألة العودة إلى مواقع 22 أكتوبر في إطار الاتفاق على فض الاشتباك والفصل بين القوات تحت رعاية الأمم المتحدة، وأن تتـلقى مدينة السويس يوميا إمدادات من الطعام والأدوية، وجميع الجرحى والمدنيين في مدينة السويس يتم ترحيلهم.

شرط جولدا مائير
واشترطت نقاط جولدا مائير ألا تكون هناك عقبات أمام وصول الإمدادات غير العسكرية إلى الضفة الشرقية للقناة (سيناء)، على أن تستبدل النقاط المراقبة الإسرائيلية على طريق السويس- القاهرة بنقاط مراقبة من الأمم المتحدة، وفى نهاية طريق السويس يمكن لضباط إسرائيليين الاشتراك مع الأمم المتحدة في الإشراف على الإمدادات غير العسكرية التي تصل إلى شاطئ القناة.

واشترطت إسرائيل أنه عند تولى الأمم المتحدة نقاط المراقبة على طريق السويس – القاهرة، يتم تبادل جميع الأسرى والجرحى.

واعترف كيسنجر في مذكراته أنه عندما سمعت جولدا مائير بنبأ الاتفاق قالت "إن هذا الاتفاق هو إنجاز خيالى، وشئ لا يصدق، يفوق كل ما توقعته إسرائيل"..

حصار الجيش الثالث
الغريب أن موافقة السادات على تلك الشروط يُعد اعترافًا بحصار الجيش الثالث، حيث كانت تروج إسرائيل لذلك، بالإضافة إلى الموافقة على إطلاق سراح الأسرى والجرحى الإسرائيليين، كان من ضمنهم 36 طيار اسرائيلى أسقط الدفاع الجوى المصرى طائراتهم خلال حربى الاستنزاف و73، وتم أخذهم كأسري.

كما وافق السادات على طلب كيسنجر بتخفيف مصر الحصار البحرى على مضيق باب المندب، لكن السادات طلب من كيسنجر إبقاء الأمر سرًا، وفى يوم 13 ديسمبر 1973 وصل كيسنجر إلى مصر للقاء الرئيس السادات مرة أخرى لكى يحصل على موافقته على انعقاد مؤتمر جنيف الدولى، ليكون مظلة للقاء سياسي مباشر بين مصر وإسرائيل.

مفاوضات السلام
وبالفعل بدأ السادات مفاوضات السلام قبل فض الاشتباك، وتسبب قراره بقبول وقف إطلاق النار في 22 أكتوبر بتشديد الحصار عليه.
الجريدة الرسمية