الدستورية العليا تقضي بعدم دستورية قانون تحصيل الرسوم القضائية
قضت المحكمة الدستورية العليا، برئاسة المستشار عبد الوهاب عبد الرازق، بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة (15) من القانون رقم 91 لسنة 1944 بالرسوم أمام المحاكم الشرعية، معدلًا بالقانون رقم 7 لسنة 1995، فيما نص عليه من أنه "ولا يحول الاستئناف دون تحصيل هذه الرسوم".
وأقامت المحكمة حكمها استنادًا إلى أن الأصل في الخصومة القضائية ألا تكون نفقاتها عبئًا إلا على من صار ملزمًا بها بمقتضى حكم نهائي، ذلك أن الحقوق المتنازع عليها يظل أمرها قلقًا قبل الفصل نهائيًّا في الخصومة القضائية، فإذا صار الحكم الصادر بشأنها نهائيًّا، غدا حائزًا لقوة الأمر المقضي، مؤكدًا للحقيقة الراجحة التي قام عليها التي لا تجوز المماراة فيها، منطويًا على قاعدة موضوعية لا يجوز معارضتها بعلتها ولا نقضها ولو بالإقرار أو اليمين، لازمًا تنفيذه إعمالًا لمبدأ الخضوع للقانــــــــــــون، فلا يجوز تعديل الحقـــــــــــوق التي قررها ولا الآثار التي رتبها، ما ظل هذا الحكم قائمًا. بل إن الامتناع عن تنفيذه من قبل الموظفين العموميين المكلفين بذلك، يعد جريمة معاقبًا عليها وفقًا لأحكام الدستور.
وقالت المحكمة إن الدستور حرص في المادة (4) منه على التوكيد على العدل باعتباره أساسًا لبناء المجتمع، وصيانة وحدته الوطنية، ومن أجل ذلك جعلت المادة (27) منه العدالة الاجتماعية أحد أهداف النظام الاقتصادي للدولة، وألزمت الدولة بمراعاة إقامة نظام ضريبي عادل، وفي هذا الإطار حرصت المادة (38) من الدستور على كفالة تحقيق العدالة الاجتماعية باعتبارها أحد أهداف النظام الضريبي وغيره من التكاليف العامة، ليضحي العدل محددًا من منظور اجتماعي أساسًا لها، لا يقتصر على شكل دون آخر من الأعباء المالية التي تفرضها الدولة على مواطنيها، بل تكون ضرائبها ورسومها سواء في تقييدها بمفهوم العدل محددًا على ضوء القيم التي ارتضتها الجماعة وفق ما تراه حقًا وإنصافًا؛ وكانت الخصومة القضائية هي الإطار الوحيد لاقتضاء الحقوق التي ماطل المدين بها في أدائها؛ وكان النزاع الموضوعي في شأن هذه الحقوق لا ينحسم بغير الحكم النهائي الصادر في هذه الخصومة، فإن مصروفاتها يتعين أن ترتبط بما انتهى إليه من قضاء.
وأضافت المحكمة: "ولئن صح القول إن الرسوم القضائية التي يستوفيها قلم كتاب المحكمة بعد الفصل ابتدائيًا في الخصومة القضائية، إنما يعاد تسويتها على ضوء الحكم النهائي الصادر فيها، إلا أن المرحلة الاستئنافية قد تمتد زمنًا طويلًا، فلا يكون من خسر دعواه بحكم ابتدائي إلا غارمًا لمصروفاتها ولو كان بقاء أو زوال هذا الحكم ما فتئ معلقًا، فلا تتصل يده بالتالي بالأموال التي دفعها، بل تظل منحسرة عنها دون حق، يناضل من أجل استعادتها حتى بعد صدور الحكم النهائي لمصلحته، وتلك مخاطر لا يجوز التهوين منها، لاتصالها بمراكز مالية ينبغي صونها، وبحقوق قد يكون ملتزمًا بأدائها لغيره، وكذلك بفرص العمل وبقواه في مجال الاستثمار، ولا يعتبر ذلك إنصافًا في مجال تطبيق نص المادة (38) من الدستور".
وأشارت إلى أن السلطة التي يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق، حدها قواعد الدستور التي تبين تخوم الدائرة التي لا يجوز اقتحامها، بما ينال من الحق محل الحمايـــــــــــــة أو يؤثر في محتواه، ذلك أن لكل حق دائرة يعمل فيها ولا يتنفس إلا من خلالها، فلا يجوز تنظيمه إلا فيما وراء حدودها الخارجية، فإذا انبسط المشرع عليها أو تداخل معها، كما نهج المشرع بالنص المطعون فيه، كان ذلك أدخل إلى مصادرة الحق أو تقييده، ويمس أصله وجوهره، بما يقع بالمخالفة لنص المادة (92) من الدستور؛ وحيث إنه متى كان ذلك، فإن الفقرة المطعون عليها - في الحدود المتقدم بيانها - تكون مخالفة لأحكام المواد (4، 33، 35، 38، 53، 92، 97، 98) من الدستور.