رحلة أقباط مع الإلحاد.. هنا كانت البداية وهكذا واجهت الكنيسة
هل الحديث عن الإلحاد في المسيحية جديد؟.. الإجابة: لا.. إذن لماذا تناول الإلحاد الآن؟.. الإجابة: لأن الإلحاد في المسيحية خرج من نطاق إنكار وجود الله بوضوح، وعدم الرغبة المطلقة في التعرف على الله الخالق، وتعظيم دور الإنسان بما لا يتطلب معه الإيمان بالله إلى التطاول على المسيح باعتباره ابن الله، وهو أساس المسيحية، وبالتالي هدم المسيحية من الأساس.
شبكة «الملحدين العرب»، هي شبكة تنشط على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، نشرت 8 نقاط زعمت أنها حقائق عن المسيح.
ادعاءات «الملحدين العرب»، التي زعمت أن والد يسوع المسيح الحقيقي ليس الله ولكنه عسكري روماني من أصول جرمانية يدعى «بانديرا»، وورث منه العيون الزرقاء والشعر الأشقر وقبر بانديرا لا يزال موجودا حتى اليوم في ألمانيا، وأن المسيح كان متمردا على الشريعة اليهودية وكسر نواميسها نهارا وفي الأسبات ولم يكن يقدم عنها بديلا سوى شريعة المحبة.
ادعاءات الملحدين بأن المسيح كان عنصريا ويصف الأمم غير اليهودية بالكلاب وبالأنجاس، دفعتنا للبحث في تاريخ الإلحاد لنكتشف أن الإلحاد، - حسب الكتاب المقدس-، ظهر مع بداية ظهور الإنسان وقبل الأديان، وهو ما يتضح من الآية التي ذكرت في سفر المزامير: «قال الجاهل في قلبه ليس إله».
وذكر كتاب «رحلة إلى قلب الإلحاد»، أن الإلحاد زاد واستشرى منذ القرن السابع عشر فصاعدا، ولاسيما في دول أوروبا، وبالأكثر في روسيا ودول الكتلة الشرقية، فهناك عوامل زكت نيران الإلحاد وساعدت على انتشاره.
ومن العوامل التي ساهمت في انتشار الإلحاد، حسب كتاب «رحلة إلى قلب الإلحاد» الصراع البروتستانتي الكاثوليكي.
استمرت الحرب بين البروتستانت والكاثوليك، ثلاثين عاما من 1648-1618 م، ونجم عنها خسائر بشرية فادحة، فمثلًا قُتل في أيرلندا نحو مائة ألف رجل، وقتل ثلث رجال ألمانيا، وانتهت هذه الحروب بسلام «وستفاليا»، الذي أقر الحرية الدينية للجميع، لكي يعيش اللوثريون مع الكالفنيين مع الكاثوليك في سلام، ولكن الصراع البروتستانتي الكاثوليكي الطويل المرير القاسي أسفر عن كره الناس للدين والعقيدة والكتاب المقدس، بل كرهوا الله ذاته.
نظرية التطور والبقاء للأصلح
نظرية «داروين»، زادت أيضا من الإلحاد، خاصة أنها تستند إلى البقاء للأصلح، فالكائنات التي استطاعت أن تتكيف تلقائيا مع البيئة هي التي استمرت وعاشت وتكاثرت، أما الكائنات التي فشلت في التوافق مع البيئة فقد ماتت وانقرضت، وعلى مدار ملايين السنين تطورت الأنواع الأدنى، وأن الإنسان هو ثمرة تطور الأنواع الأدنى.
«داروين» تأثر بالقس الإنجيلي توماس مالثوس الذي نادي بقانون الفقراء اللاإنساني، حيث قال «لا يستحق البقاء إلا من هم أقدر على الإنتاج، أما أولئك الذين وهبتهم الطبيعة حظًا أدنى لهم أجدر بالهلاك والاختفاء واعتبر أن موت الفقراء من الجوع يعتبر قضاء وتدبير إلهي».
وطبق «داروين» فكر «مالثوس» وهو «الصراع من أجل البقاء» على المجتمع الحيواني، وتوصل إلى فكرة الانتقاء الطبيعي، فالطبيعة تختار الأصلح والأقوى للبقاء على حساب الضعفاء.
وقال «داروين»، إن الله لم يخلق النباتات ولا الأسماك ولا الطيور ولا الحيوانات ولا الإنسان، ولا أي كائن حي، بل كل ما فعله هو أنه أبدع جرثومة واحدة، وهذه الجرثومة أخذت تتفرع وتتنوع عبر ملايين السنين، وبذلك نسب داروين خلقة الكائنات الحية للطبيعة قائلًا «الطبيعة تخلق كل شيء ولا حد لقدرتها على الخلق».
مداهنة رجال الدين
يذكر كتاب «رحلة إلى قلب الإلحاد»، أن الإلحاد لم يخرج من بيئة مسيحية متدينة تدينا حقيقيا، إنما نبت من بيئة تدعو نفسها بأنها مسيحية، وهي ليست كذلك، لأنها متغربة عن مبادئ الإنجيل السامية، والبيئة التي أفرزت لنا الإلحاد تتسم من ناحية بتفشي الظلم والطغيان للرؤساء والحكام، وتتسم من ناحية أخرى بضعف الكنيسة وسلبيتها، فالحكام يطغون ويظلمون، ورجال الدين يداهنون ويبررون، والنتيجة الثورة، فإن لم تكن متاحة بالخارج فبداخل النفس، الثورة ليس ضد الحكام الجائرين فقط، بل وضد رجال الدين المداهنين، بل ضد الدين ذاته وضد الله ذاته، وهكذا يسقط الأفراد تباعًا في الإلحاد بهدف التمرد على الظلم والطغيان.
شهوة الكبرياء
النجاح الخارق الذي حققه العلم والتقنية ملأ البعض بشحنة من الكبرياء جعلتهم يأنفون من أي ارتباط بكائن أسمى، وحملتهم على الاعتقاد بأن الإنسان هو سيد الكون بقوته الذاتية وقادر على كل شيء، ولا حاجة إلى وجود الله، وهو ما جعل الكثيرين يعتقدون أن الله غير موجود.
الكوارث والحروب
واستند الكثيرون من الملاحدة إلى مقولة الفيلسوف اليوناني «أبيقور»: «هل يريد الله أن يمنع الشر، لكنه لا يقدر ؟.. حينئذ هو ليس كلى القدرة.. هل يقدر ، لكنه لا يريد ؟ حينئذ هو شرير.. هل يقدر ويريد ؟ فمن اين يأتى الشر اذن ؟ هل هو لا يقدر ولا يريد؟ فلماذا نطلق عليه الله اذن ؟».. هذه المقولة تحدد سؤال أغلب الملحدين عن مشكلة الشر الموجودة والمعروفة، والتي لخصها الملاحدة في الحروب والكوارث الطبيعية.
الخلط بين المسيحية والشيوعية
وأخذت الشيوعية في بدايتها بعض سمات المسيحية مثل، «الشعار السوفيتي الشيوعي»، إن كان أحد لا يعمل فلا يأكل أيضا، وهو مقتبس مما ورد في رسالة بولس الرسول الثانية لأهل تسالونيكي «إن كان أحد لا يريد أن يشتغل فلا يأكل أيضًا» (2 تس 3: 10) مع الفارق، لأن النص يوضح «إن كان لا يريد»، أي أنه يملك إمكانية العمل، ولكنه لا يريد أن يعمل، فلا يأكل، أما الشيوعية فقد رفضت كل من لا يعمل مهما كانت حالته الصحية لا تسمح بالعمل، وهذا هو فكر «القس توماس مالثوس» الذي أوصى بعدم مساعدة الفقراء والضعفاء على الحياة، بل يجب أن ينتهوا من الوجود، وهذه النتيجة التي وصل إليها «هتلر» إذ نفذ برنامج «القتل الرحيم» فقتل أطفال ألمانيا المعوَقين، وكان ينوي أن يقتل البالغين منهم أيضا.
كما أخذت الاشتراكية الشيوعية من المسيحية حياة الشركة في الكنيسة الأولى، والملكية العامة، فجاء في سفر الأعمال « وكان لجمهور الذين آمنوا قلب واحد ونفس واحدة ولم يكن أحد يقول أن شيئًا من أمواله له بل كان عندهم كل شيء مشتركًا.. لم يكن فيهم أحد محتاجًا لأن كل الذين كانوا أصحاب حقول أو بيوت كانوا يبيعونها ويأتون بأثمان المبيعات. ويضعونها عند أرجل الرسل فكان يُوزَّع على كل واحد كما يكون له احتياج» (أع 4: 32 - 35) فهكذا كانت تسعى الاشتراكية الشيوعية للحياة الفضلى المثالية التي يتساوى فيها الجميع.
أخطاء بعض الأفراد داخل الكنيسة
ويرجع البعض إلى أن الإلحاد انتشر بين الكثيرين بسبب أفعال خاطئة قد تصدر من بعض الكهنة أو المسؤلين أو المنتمين للكنيسة، وبعض من الذين الحدوا يحملون تلك الأخطاء إلى الكتاب المقدس.
الكنيسة تواجه الإلحاد
وتنبهت الكنيسة مبكرا لخطورة «الإلحاد»، وجاهدت لمواجهته، فنظم «مجلس كنائس مصر» في عام 2015 مؤتمرا تحت عنوان «الكنيسة تواجه الإلحاد»، تطرق فيه المشاركين إلى خطورة الإلحاد وكيفية مواجهته.
ويعكس مؤتمر المجلس إدراك الكنيسة لحجم مشكلة الإلحاد، حيث يرى الأب رفيق جريش المتحدث باسم الكنيسة القبطية الكاثوليكية، أن الشباب فقدوا الثقة في رجال الدين.
الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، اعتمدت في مواجهتها للإلحاد، على أساليب كثيرة، أهمها التفكير العلمى، وتقديم كورسات، ودورات تدريبية، تعلم الشباب القبطى الرد على التشكيك بإيمانهم ودينهم، على أن تتيح هذه الدورات في معظم الكنائس المصرية، إضافة إلى سعى الكنيسة الدائم للتواصل مع الشباب عن طريق مواقع التواصل الاجتماعى.
فيما ترى الكنيسة الإنجيلية، أن لوسائل الإعلام دورا هاما في مواجهة الإلحاد، وللرد على دعاوى الإلحاد بشكل علمى، باعتبار أن الإعلام هو الوسيلة الأقرب لفكر الشباب كونهم يتعلمون الأفكار السليمة والخاطئة.
الكنيسة الكاثوليكية تعتبر المواجهة المباشرة هي أسهل وأهم الطرق لمواجهة الفكر الإلحادي، وتعتمد على ملاحظة ومتابعة التغيرات التي تطرأ على شباب الكنيسة، ومن ثم تبدأ رحلة العلاج لدحر الإلحاد.