رئيس التحرير
عصام كامل

الجوع وسوء التغذية يقتلان أطفال الغوطة الشرقية في سوريا

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

بصعوبة التقطت الرضيعة سحر التي أتمت شهرها الأول أنفاسها في الساعات الماضية، في ما كان جسدها الهزيل يرتجف، قبل أن يستسلم اليوم الأحد عاجزًا عن مقاومة سوء التغذية الحاد الذي عانته، ويُهدد مئات الأطفال في الغوطة الشرقية المحاصرة.


وتُعاني منطقة الغوطة الشرقية، أبرز معقل للفصائل المعارضة قرب دمشق من حصار خانق منذ 2013.

ورغم أنها إحدى أربع مناطق شملها اتفاق خفض التوتر في سوريا، لكن دخول المساعدات لا يزال خجولًا، ما يفاقم معاناة المدنيين في ظل ندرة مواد غذائية رئيسية.

والتقط مصور متعاون مع وكالة فرانس برس السبت، مشاهد لسحر ضفدع، رضيعة عمرها 34 يومًا بعدما أحضرتها والدتها إلى مشفى دار الشفاء في مدينة حمورية.

في مقاطع الفيديو، تظهر الرضيعة، وهي الطفل البكر لثنائي يعجز عن توفير قوته اليومي جراء الحصار.

جسدها العاري هزيل للغاية وتبرز عظامها بوضوح، وزنها 1920 جرامًا، أي أقل من كيلوجرامين، وتتنفس بصعوبة في ما تبدو عيناها خائرتي القوى.

تحاول البكاء دون أن تصدر صوتًا قويًا. وبالقرب منها كانت والدتها الفتية تجهش بالبكاء.

عانت سحر وفق ما قال مصدر طبي في المشفى لوكالة فرانس برس، سوء تغذية شديد، في ظل عجز والدتها التي تعاني بدورها من سوء تغذية عن إرضاعها.

ولم يتمكن الوالد العامل في محل لبيع اللحوم مقابل راتب زهيد من توفير الحليب، والمكملات الغذائية الضرورية.

رغم ذلك، حاول الوالدان إنقاذ طفلتهما الوحيدة، لكنها توفيت صباح الأحد في المشفى قبل نقلها إلى مسقط رأسهما في بلدة كفر بطنا لدفنها هناك.

وشاهد مصور فرانس برس صباح الأحد الأب وهو يحمل ابنته إلى المدفن، ووراءه سارت زوجته المفجوعة والمنهارة وعدد من الأقارب.

فارقت سحر الحياة الأحد بعد ساعات من وفاة طفل آخر السبت في بلدة مديرا في الغوطة الشرقية أيضًا جراء سوء التغذية، وفق ما أكدت مصادر طبية والمرصد السوري لحقوق الإنسان الأحد.

داخل المشفى ذاته، وكذلك في مركز الحكيم الطبي الذي يتضمن عيادة مخصصة لحالات سوء التغذية، التابعين للمؤسسة الدولية للتنمية الاجتماعية، منظمة غير حكومية مقرها إسطنبول، يؤكد الأطباء أنهم يعاينون يوميًا عشرات حالات سوء التغذية بين الأطفال، خاصةً في الأشهر الأخيرة.

وتظهر صور ومقاطع فيديو لفرانس برس من داخل المشفى ومركز الحكيم في حمورية رضعًا وأطفالًا أجسادهم هزيلة أشبه بهياكل عظمية، ووجوههم شاحبة، أحدهم يتنفس بصعوبة، وثان تبرز عظام قفصه الصدري، وثالث ممدد على سرير في ما أنبوب موصول بفمه، ويبكي طفل رابع وضعت ضمادة بيضاء على زنده الرفيع لدى معاينته من قبل طبيب.

ويوضح الدكتور يحيى أبو يحيى، مدير القسم الطبي في المنظمة الإنسانية في تصريحات لوكالة فرانس برس، أن فروع مركز الحكيم وعددها 11 في الغوطة الشرقية: "استقبلت في الأشهر الثلاثة الأخيرة حتى الآن 9700 طفلًا، يعاني 80 منهم تقريبًا من سوء تغذية حاد شديد، ومئتان آخرين من سوء تغذية حاد متوسط".

وأوضح أن "4000 طفل آخرين يعانون من درجات مختلفة من الحاجة إلى المغذيات الدقيقة"، مضيفًا "هذا مؤشر خطير جدًا وكبير".

وحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة يونيسف، فالمغذيات الدقيقة هي عبارة عن فيتامينات ومعادن تعد "المكونات الأساسية لنظام غذائي عالي الجودة"، في حين تعرف سوء التغذية الحاد على أنه "الشكل الأبرز لنقص التغذية، ويظهر على وجه الطفل وهيكله العظمي، ويتطلب معالجة عاجلة ليتمكن الطفل من البقاء" على قيد الحياة.

ويشير الطبيب إلى غياب عناصر غذائية رئيسية في الغوطة الشرقية، على الأطفال تناولها يوميًا " مثل السكريات، والمواد البروتينية، والفيتامينات"، في حين أن المواد المخصصة لعلاج سوء التغذية على أنواعها "غير متوفرة".

ويوضح أن "الكميات المرسلة عن طريق الأمم المتحدة لا تلبي إلا 5 إلى 10% من احتياجات أطفال الغوطة" الذين يعانون من سوء التغذية على أنواعها.

ورغم أن اتفاق مناطق خفض التوتر الذي توصلت روسيا وإيران، حليفتا قوات النظام، وتركيا الداعمة للفصائل المعارضة إليه في آستانا في مايو يشمل الغوطة الشرقية، ودخل حيز التنفيذ ميدانيًا، إلا أن وتيرة إدخال المساعدات الإنسانية لم تتحسن.

ويتحدث المرصد السوري عن "نقص كبير في المواد الغذائية المخزنة لدى المواطنين، وارتفاع أسعارها بشكل جنوني في الأسواق إذا توفرت".

وحسب مكتب تنسيق الشئون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، فإن آخر قافلة إنسانية تتضمن مساعدات غذائية، وطبية ومستلزمات أخرى دخلت إلى ثلاث مدن محاصرة فقط في الغوطة الشرقية في 23 سبتمبر، بعد قافلة مماثلة في يونيو.

ويعيش نحو ثلاثة ملايين شخص في سوريا في مناطق محاصرة أو يصعب الوصول إليها، 400 ألف منهم محاصرون ومعظمهم في الغوطة الشرقية، حسب الأمم المتحدة.
الجريدة الرسمية