رئيس التحرير
عصام كامل

العدالة المفقودة!


مشكلة العالم كله تكمن في تغييب قانون العدالة، ومشكلتنا أننا أعطينا القانون إجازة وخلقنا الاستثناء ثم رضينا به قاعدة يتسلل منها الانتهازيون لسلب حقوق الناس والمجتمع وتكريس الفوضى القانونية والفساد المقنن الذي لا يقدر عليه إلا أصحاب النفوذ والمنعة، بينما يقع الفقراء ضحايا هذه اللعبة.


لقد كان شعار العدالة ولا يزال امرأة معصوبة العينين في دلالة لا تخفى على عدم التمييز أو التفريق بين المتقاضين عند تطبيق القانون، وهو ما صار فريضة غائبة تتجرع البشرية كلها مرارة غيابها.. فأين العدالة في توزيع الثروات وعوائد التنمية بين الدول والشعوب.. أين عدالة التوظيف؟

ما نراه اليوم من توحش قانون القوة هو نتاج طبيعي لغياب "قوة القانون" حتى وجدنا أنفسنا في مجتمع تسيطر عليه شريعة الغاب بعد أن فقد القانون احترامه ومصداقيته، وانسحب من حياتنا وحلت مكانه ثقافة النهب والبلطجة والتكويش وإقصاء الآخر والامتيازات الفئوية التي رفعت بعض الفئات على بعض دون احتكام إلى معايير الكفاءة والاستحقاق، وهي امتيازات صارت وسيلة للتقسيم المجتمعي والتمييز بين أبناء الوطن الواحد؛ وهو ما كرس الشعور بالغبن والظلم لدى المحرومين، وتزداد المأساة عمقًا كلما ازدادت مزايا فئات بعينها حصلت لنفسها على مكاسب ضخمة وقروض وأراضٍ ووظائف صارت حكرًا على طائفة دون أخرى دون أحقية ولا أهلية.

وللأسف تحولت تلك الامتيازات بمرور الزمن إلى حصانات يتمترس خلفها أصحابها حتى صاروا فوق القانون فارتكبوا جرائم دون حساب، ناهيك عن إهدار مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية.

صحيح أن الدولة بقيادة الرئيس السيسي فتحت ملف الإصلاح التشريعي بقوة، وتشكلت لهذا الغرض لجان نرجو أن تتسارع جهودها لإنجاز هذه المهمة الضخمة وتخليصنا من غابة التشريعات المتضاربة الموروثة من عقود طويلة، كما قرر الرئيس استعادة الأراضي المنهوبة من الدولة، ومنع الاعتداء عليها حاضرًا ومستقبلًا والحفاظ على الرقعة الزراعية من التآكل لضمان حقوق الأجيال القادمة في الحياة وهي خطوات مهمة لاستعادة هيبة القانون وروح العدالة الغائبة التي هي بوابة العبور إلى مجتمع قوى متماسك يشعر أفراده بالأمن والأمل في حياة أفضل محمية بقوة القانون وسياج العدالة.. فهل يقدر البرلمان على تحقيق هذا الأمل وهل يمكنه ترجمة مبادئ الدستور إلى قوانين تواكب حركة الحياة وتستوعب حركة المجتمع واحتياجاته.

تطبيق القانون على الجميع هو الحل الوحيد لمشاكلنا، وأداة لا غنى عنها في سبيل التغيير الحقيقي لإصلاح ما أفسده البعض وترسيخ دولة القانون وضبط الشارع والأسعار ومنع جرائم الغش والاحتكار والمغالاة وتمهيد الطريق أمام إصلاح التعليم والصحة والخدمات وتنمية البشر وتجفيف منابع الإرهاب والفساد وامتصاص البطالة واستيعاب الزيادة السكانية الهائلة.. الأمل في صحوة تشريعية يقودها البرلمان وتدعمها الإرادة الشعبية بعد أن توفرت لها الإرادة السياسية.. ويبقى أن يترجمها البرلمان إلى واقع يشعر به المواطن.
الجريدة الرسمية