«حقيقة» ثروت الخرباوي!
لا ننتظر حواراته وأحاديثه فحسب بل وإصداراته ومقالاته وكتبه أيضا.. وإن كان الاعتراف واجب فنعترف أنه الكاتب الوحيد بعد أسطورة الصحافة العربية محمد حسنين هيكل، والراحل العظيم الأستاذ أحمد بهاء الدين، والمفكر السوري الكبير الدكتور محمد شحرور، الذي ما أن نمتلك كتابا له إلا ونعقد العزم على الانتهاء منه في أسرع وقت ممكن حتى لو كان في اليوم نفسه!
إنه الأستاذ ثروت الخرباوي المفكر والكاتب والمجاهد الحقيقي الذي يقدم للإسلام رؤية مستنيرة، ويدفع عنه كل ما لحق به ما اكاذيب أو أساطير لا أصل لهما في دين الله العزيز الحكيم.. والذي صدر له هذا الأسبوع كتاب جديد عن دار "أخبار اليوم" بعنوان "الحقيقة" ثم عنوان فرعي "هل كان عبد الناصر إخوانيا" ليتصدي بنفسه للإجابة عن السؤال المثار منذ رمضان الماضي، والذي فجره مسلسل الجماعة وأثار جدلا كبيرا!
الخرباوي-مع حفظ الألقاب- ليس ناصريا رغم رؤيته المنصفة لجمال عبدالناصر، كما أنه ليس مؤرخا بالمعني التقليدي للكلمة، إلا أنه في كتابه الجديد وبلا مبالغة يعطي درسا مهما لكل من يتصدي للتاريخ، ويقدم للمكتبة العربية وثيقة مهمة في كيفية اتباع المنهج العلمي في هذا النوع من الكتابة!
الخرباوي يطرح على الناس بعد أن طرح على نفسه سؤالين مهمين، وبعد أن يشرح أنواع البيعة في الإخوان ودرجاتها يقر أن العضوية في الإخوان ليست ككل الأحزاب أو الجماعات الأخري.. ولابد للعضو الجديد أن يكون هناك من يزكيه ويرشحه ويوقع على ذلك ويتحمل مسئوليته فمن فعل ذلك؟ يبحث ويفتش ولا يجد أثرا لذلك ولا في ورقة واحدة لأي إخواني!
ثم يسأل السؤال الآخر: هل التركيبة الشخصية لجمال عبد الناصر تقبل بالسمع والطاعة إلى حد خضوعه لاختبارات مهينة ومذلة، يذكر تفاصيلها المثيرة بل والمرعبة ، وللإجابة يفتش في تاريخ الزعيم الخالد ليس فقطـ في طفولته وشبابه ولا حتى عن والديه وأسرته الصغيرة، وإنما يرجع إلى عائلته في قريته ببني مر في أسيوط، فيعرف أن أصلها لقبيلة عربية شهيرة تمتد جذورها لليمن الحبيب، ثم يبحث في أهم صفات هذه القبيلة فيجد الشجاعة والكبرياء وكل ما يتناقض مع السمع والطاعة!
الكتاب ورغم صفحاته القليلة فإنه غاية في الأهمية ليس فقط لإجابته على سؤال مثير وإنما لأنه يكشف مدي التخبط والاستعجال بل والهوي والغرض الذي وصل إليه حال بعض مدعي الكتابة التاريخية ممن يطلقون على أنفسهم لقب "مؤرخ" أو "مؤرخة" سواء عملوا مستشارين لأعمال درامية مهمة أو مارسوا فعل "التأريخ" بأنفسهم في كتاباتهم، وفي الحالتين كانوا يستحقون المحاكمة الفورية!
قياسا على حجم الكتاب كان من الممكن للأستاذ الخرباوي أن ينتهي منه في ساعات أو أيام قليلة، لكنه احترم نفسه والقارئ وعاد للمراجع واستخدم مختلف مناهج البحث والعلوم، بما فيها علم النفس لإنجاز كتابه ليكون "الحقيقة" صفعة للفهلوية وللفهلوة، وإضافة مهمة تستحق المطالعة والاقتناء!