رئيس التحرير
عصام كامل

زيادة رصيد العملة الصعبة.. خبر يسر الحكومة ويترك علامات استفهام للمواطن

فيتو

أخيرا خبر سار عن الاقتصاد المصري تمثل في زيادة الاحتياطات من العملات الأجنبية إلى 35 مليار دولار. ما  فرص ومخاطر هذه الزيادة غير المتوقعة على عمل الحكومة؟ وما السبيل لكسر حلقة العجز التجاري الخانقة لعقود طويلة؟ الخبر مهم لدرجة أنّ الرئيس عبد الفتاح السيسي يعلنه بنفسه وباعتزاز أمام مؤتمر للشباب في الإسكندرية قبل أيام.

يقول الخبر على لسان الرئيس إنّ احتياطات مصر من العملات الصعبة بلغت نحو 35 مليار دولار في شهر يوليو الجاري مضيفا: "هل كان لأحد أن يتصور وجود هذا المبلغ لدينا منذ عشرة أشهر؟".

وفي الواقع فإن وصول الاحتياطات إلى هذا المستوى شكّل مفاجأة بعد سنوات من الأخبار السيئة عن تدهور الاحتياطات المصرية من 36 مليار دولار قبل ثورة يناير 2011 إلى أقل من 15 مليار دولار بحلول صيف 2016.

ولم يكن هذا المبلغ الأخير يكفي لسد متطلبات الاستيراد لمدة ثلاثة أشهر، الأمر الذي أثار الكثير من القلق على استقرار مصر الاقتصادي وأشعل سوق المضاربات على الجنيه المصري ودفع الكثير من المستثمرين للهروب. وزاد الطين بلة تدهور السياحة بسبب الهجمات الإرهابية التي طالت أكثر من منتجع سياحي على البحر الأحمر.

خبر في وقته
تأتي زيادة الاحتياطات إلى أكثر من الضعف خلال أقل من عام في وقت يحتاج فيه الاقتصاد المصري لخبر سار من هذا القبيل أكثر من أي وقت مضى، فالإصلاحات الاقتصادية المؤلمة والضرورية وفي مقدمتها تعويم الجنيه المصري رفعت أسعار السلع الأساسية من كهرباء ووقود وأغذية بشكل أدى إلى تراجع مستوى معيشة غالبية المصريين كونهم من أصحاب الدخل المحدود.

وزاد ذلك من غضبهم على الحكومة وعلى سياساتها الاجتماعية التي وضعتها في موقف يزداد حرجا يوما بعد يوم.

وعلى ضوء ذلك ذهبت بعض المخاوف إلى توقع حصول ثورة جديدة في البلاد التي تعاني أيضا من هجمات إرهابية متكررة وخاصة في شمال شبه جزيرة سيناء، وهو الأمر الذي يشكل خطرا على الاستقرار السياسي ويعرقل خطط التنمية الاقتصادية.

نتائج على عكس التوقعات
عندما قررت الحكومة تعويم الجنيه شكك كثيرون بجدوى ذلك على أساس أنه سيطلق دوامة تضخم لا تنتهي، غير أنّ حصاد التعويم جاء مخالفا لحسابات الكثيرين، لاسيما أنّ الجنيه استقر في حدود 18 جنيها للدولار الواحد منذ التعويم في نوفمبر 2016.

ومع استقرار الجنيه على سعر معين وقيام الحكومة برفع الفوائد بنسب قياسية وصلت إلى نحو 20% أقبل المزيد من المصريين، لا سيما المغتربين منهم على تحويل دولاراتهم إلى الجنيه وإيداعها في البنوك للحصول على عوائد تزيد بكثير على عوائد المشاريع الصناعية والزراعية والسياحية والخدمية.

كما تدفقت نحو 10 مليارات دولار من الاستثمارات الأجنبية إلى البورصة ومؤسسات أخرى خلال السنة المالية 2016- 2017 مقارنة بنحو 1.1 مليار دولار فقط في السنة التي سبقتها.

وارتفعت تحويلات المصريين بنسبة زادت على 11% خلال الفترة من نوفمبر 2016 حتى أبريل 2017 لتصل إلى 9.3 مليارات دولار.

وسجلت السياحة والصادرات المصرية ارتفاعا ملحوظا في وقت تراجعت فيه فاتورة الواردات من 74 إلى 58 مليار دولار خلال السنة الماضية 2016 مقارنة بالسنة التي سبقتها.. هذه المعطيات إضافة إلى دفع 4 مليارات من قرض قدمه صندوق النقد الدولي لمصر بقيمة 12 مليار دولار على مدى 3 سنوات ساعدت في تحقيق هذا الوفر المالي من العملات الصعبة لأول مرة منذ أكثر من ست سنوات.

أريحية مالية
تستطيع الحكومة المصرية بهذا الوفرة من احتياطيات العملات الأجنبية خدمة دينها الخارجي بأريحية، كما يمكنها الوفاء بمتطلبات الاستيراد من السلع والمواد اللازمة للاستهلاك والصناعة بشكل أسهل من قبل، غير أنّ الفائدة الأكبر لهذه للاحتياطات تكمن في إعادة الثقة لمناخ الاستثمار كونها أحد العوامل الحاسمة لاستقرار العملة وتحويل رءوس الأموال والأرباح لمن يستحقها.

لكن بيت القصيد يكمن في مدى قدرة صناع القرار الاقتصادي على إدارة وتوجيه الأموال المتدفقة في الأقنية والمجالات المطلوبة قبل فوات الأوان.

وإذا ما نظرنا إلى مشروع توسيع قناة السويس، فإنّ نتائج استثمار مليارات الدولارات فيها من أموال المصريين أمر لا يدعو إلى التفاؤل. كما أن تركيز الحكومة أيضا على حافز تقديم الفوائد العالية لجذب الإيداعات بالعملات الصعبة يحمل في طياته مخاطر كبيرة على المديين المتوسط وطويل الأجل.

سياسة الفوائد العالية لا تكفي
على المدى القصير تساعد سياسة الفوائد العالية في تدفق مزيد من العملات الصعبة إلى البنوك المصرية، غير أن هذه الأموال ليست نبعا لا ينضب ولا يمكن خدمتها على المديين المتوسط والبعيد عن طريق مزيد من الاقتراض الذي لا ينبغي أن يتجاوز حدودا معينة تهدد بالإفلاس كما حصل مع دول كثيرة كاليونان والبرتغال والأرجنتين.

وعلى ضوء ذلك فإنّ المطلوب في الحالة المصرية أكثر من أي وقت مضى توسيع قاعدة المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تخلق فرص عمل وقيمة مضافة وأرباح وضرائب تساعد الدولة والقطاع الخاص على خدمة الدين وتوسيع قاعدة التنمية لتشمل مختلف المدن والأرياف. وفي هذا الإطار لا بد وقبل كل شيء من تشجيع المشاريع التي توفر للمصريين التعليم المهني والغذاء والدواء واللباس والسكن وتقلص العجز التجاري الخانق منذ سنوات لأن قيمة فاتورة المستوردات تصل إلى نحو 60 مليار دولار سنويا مقابل عوائد صادرات دون 23 مليار دولار.

ولكي تأتي هذه المشاريع لا بد من تقديم الحوافز اللازمة لها من بدءا من الرعاية التكنولوجية والاستثمارية وانتهاء بتقديم القروض الميسرة مرورا بالمساعدة على تدريب وتأهيل العاملين وعلى الترويج والتسويق لمنتجاتهم.

ومما لاشك فيه أنّ الفوائد الحالية على الإيداعات والتي تصل إلى نحو 20% لا تشجع المستثمرين على الاستثمار في مشاريع زراعية أو صناعية يتراوح معدل عائدها بين 10 إلى 15%. وعليه فإنّ على الحكومة العمل على تقديم حوافز للاستثمار في الاقتصاد الواقعي قبل أن يفوت الأوان. أخيرا فإنّ العبرة ليست في بذل الوعود بل في تنفيذها.

هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل


الجريدة الرسمية