أزمة رجالة
الرجل هو الذكر الذي يبلغ الحلم، هذا ما أجمعت عليه المصادر باستثناء سيبويه الذي أكد أن الرجل هو الذكر عندما يولد "على اعتبار ما سيكون"، لكن نفس المصادر أجمعت على أن عددا من الصفات لابد أن تتوفر للذكر حتى يكون رجلًا.. ووفقًا للجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء يزيد عدد الذكور في مصر على 46 مليونًا و414 ألفا، فهل توفرت صفات الرجولة في كل هؤلاء؟ لا تغضب ولا تندهش ولا تدير ظهرك لسؤالى، فأنا من بنى جنسك، يسئ إلينا أن نفتقد صفة واحدة تنتقص من رجولتنا.
وإذا كانت أزمة الرجولة هي أم الأزمات التي نعيشها.. فعلينا أن نفتش عن صفات لم نكتسبها وأخرى افتقدناها لأسباب مختلفة، ولا ضير من الاعتراف بالنواقص والتجرد من سلبيات تنال من رجولتنا، فالاعتراف والتجرد هنا أهم مواصفات الرجولة.. أزمة الرجولة نتج عنها كل الأزمات التي أفقدتنا حياة كريمة ومستقرة، وأعاقت العبور إلى مستقبل تطمئن له قلوبنا.. فالإرهاب في مصر سببه أزمة في الرجولة، فإذا اخترت أن تكون تابعًا وإمعة، تقتل وتسرق وتنتهك حدود وطنك، وتتعامل معه على أنه حفنة من تراب نتنة، وتروع الأمنين، وتعتدى على جيشك لمجرد أنك أقسمت على الولاء والطاعة لمرشدك وأفكاره.. فاعلم أنك منقوص الرجولة لأنك تفتقد الاستقلالية والشجاعة والشهامة واحترام الوطن والدفاع عن الأرض والعرض.
انتفاء الرجولة ليست فقط عن من يمارسون الإرهاب، لكنها آفة طالت كل المجتمعات، نعانى منها في الداخل والخارج، فالمشاهد التي نراها يوميًا في الداخل تؤكد أن الرجولة تضرب في مقتل؛ لأن من بين سماتها الحلم، وسعة الصدر، واحترام الغير، وتوقير الكبير، أصبحنا نرى من يقتل والديه ويعاشر ابنته ويهين جاره ويقتل أبناءه ويعتدى على ممتلكات غيره.. وإذا كانت الشجاعة والتمسك بالمبادئ من صفات الرجولة.. نجد من يجبن عن المواجهة ويتلون وفقًا لمصلحته الشخصية، وينافق بفجاجة، ولا مانع من أن يوشى بمن أراد ليصل إلى ما يريد.. وإذا كانت الرجولة تعني احترام النساء أصبحنا نرى من يتحرش ويغتصب ويتحدث في الأعراض ويصلب سيدة على عمود كهرباء ليعذبها على مرأى ومسمع من الجميع لمجرد شكه في أنها تتربص بطفل لسرقته.
وإذا كانت الشجاعة والشهامة والمرؤة من صفات الرجولة.. شاهدنا أربعة جنود يقتلهم ثلاثة إرهابيين جهارًا نهارًا أمام المارة ولم يحرك التمثيل بجثثهم ساكنًا، ولم يكلف أحدًا نفسه عناء مطاردة القتلة وفروا بدراجة نارية في هدوء وطمأنينة.. وشتان بين شاب يحمل سلاحه ليدافع عن وطنه ثم يأتي آخر من الخلف ليقتله، فهذا رجل وذاك إرهابى لا يعرف من الرجولة سوى الذكورة.. وليس من صفات الرجولة أن تضع نفسك في صفوف المعارضة لمجرد أنها وظيفة تتعايش من عائدها ثم تفر إلى الخارج "مخيرًا لا مجبرًا" لتكون بوقًا للأعداء، تستبيح الحرمات، وتتطاول على بلدك وشعبك وجيشك ورئيسك فتلك من صفات الجبناء، ولو وقفت في صفوف المعارضة داخل بلدك وتحليت بشجاعة الرجال لدخلت في زمرتهم، ولذلك قال أبو العتاهية:
وكم من رجال في العيون وما هم.. بالعقل إن كشفتهم برجال.
أزمة الرجولة وإن كانت مرضا عارضا في الداخل فقد امتدت إلى الخارج.. فهذا حاكم عربى يحنس باليمين، وينقض العهد الذي وقعه مع أشقائه العرب، بل إنه يجعل من دويلته مرتعًا للإرهابيين، ويستقوي بالأعداء.. هذا الحاكم سخر موارد شعبه ليمول إرهابا يدمر البشر والحجر، واختار أن يكون تابعًا يملى عليه الغير ما يفعل، وتلك آفة الرجولة.. ونرى غيره نصب نفسه حاكمًا للعالم يفصل في الخصومة بين الأشقاء، ويلزم نفسه بتعهدات أمام العالم وفى اليوم التالى يفصل نفسه عن الرجولة بعد أن افتضح أمره، واتضح أنه يسعى لمصالح شخصية تنعكس على بلاده، وكانت جلسته مع الحكام العرب للوقيعة بينهم وابتزازهم وتحقق له ما أراد، هذا الرجل ليس من بين اهتماماته ضربه بالرجولة عرض الحائط، وإذا لم ندرك ذلك فالذكورة أولى بنا من الرجولة.
خلاصة القول.. نعيش أزمة رجولة انعكست على كل مجريات حياتنا، فإما أن تفتش داخلك عن رجل ربما دفعتك الظروف لتناسيه.. وإما أن تعيش ذكرًا، ولا تنسى أن الصقر والعصفور كلاهما طائر.
basher_hassan@hotmail.com