وقائع مذبحة إرهابية حدثت ذات يوم !
كانت صلاة الفجر قد انتهت قبل وقت قليل حين وقفت سيارتان ملاكي أمام مديرية أمن أسيوط، هبط منهما ثمانية مسلحين أطلقوا النار على الفور على جنود الحراسة فقتلوهم ووجدوا ضابطًا برتبة نقيب فقتلوه، ثم اقتحموا أحد المباني فوجدوا مساعد مدير الأمن العميد الشهيد شكري رياض بالزي الرياضي في الاستراحة الملحقة فقتلوه، ثم قتلوا 16 سائقا من رجال الشرطة تصادف وجودهم استعدادا لوردياتهم، ثم مروا على المباني الأخرى التابعة للمديرية فقتلوا اثنان وثلاثين شرطيا لم ينتبهوا لما يجري ثم اعتلوا المبنى واحتلوه تمامًا..
بينما كانت مجموعات مسلحة في سيارات ملاكي وأجرة بل في سيارات شرطة تم الاستيلاء عليها تطوف أركان المدينة الكبيرة لتقتل أي رجال شرطة في الشوارع خصوصًا رجال الحراسات أمام المؤسسات المهمة والبنوك ودور العبادة خاصة أن حادث اغتيال الرئيس السادات كان قد جرى منذ ساعات !
مجموعات أخرى ذهبت لمبنى قسم أول أسيوط ومجموعة أخرى إلى قسم ثان ومجموعات أصغر إلى مبنى المباحث الجنائية وأخرى لمبنى أمن الدولة وغيرها إلى شرطة النجدة ورابعة إلى شرطة الدفاع المدني وخامسة إلى مبنى المحافظة نجحوا في بعضها وأخفقوا في بعضها إلا أن النتيجة أن جرى احتلال لعاصمة الصعيد اضطر بسببها أن يرسل وزير الداخلية النبوي إسماعيل طائرات هليكوبتر وقوات إضافية استطاعت أن تحسم المعركة الممتدة من السادسة صباحا قبل حلول السادسة مساء وانتهت المعارك إلا من بعض الجيوب !
كان الهدف بعد حادث اغتيال رئيس الجمهورية أن يتم احتلال كبرى مدن الصعيد ومنها يتم الزحف إلى القاهرة وباقي المحافظات استغلالا لما اعتقدوه أنه حالة فراغ ستحدث بينما استطاع الجيش حماية البلاد من السقوط في الفوضى، بما فيها محافظات الصعيد.. وخاب مسعى مجلس شوري الجماعة الإسلامية الذي اجتمع بأغلب قياداته في أسيوط ومن بينهم الإرهابي عاصم عبد الماجد، الهارب إلى قطر، ولكن النتيجة كانت 108 ضباط وجنود استشهدوا ومعهم عدد كبير من الأهالي تصادف وجودهم في الشوارع بخلاف عشرات الجرحى مع دمار كبير في المؤسسات الأمنية!
نتوقف عند عدد من الملاحظات الأساسية أولها أن السطور السابقة مرت سريعا على الحدث بلا تفاصيل، ومنها أن الفكر الإرهابي نفسه لم يتغير، وكذلك عدم رفع درجة الاستعداد إلى الحالة القصوى رغم اغتيال رئيس البلاد.. ومنها أن هذا التنظيم الذي لا تسعفنا الذاكرة لتذكر التفاصيل السابقة التي جرت عام 1981 إلا أننا نتذكر ما جرى بعد ذلك.. فبعد سنوات تركت له ساحة العمل كاملة وكانوا ينافسون السلطة في فرض النفوذ على الناس وعلى مئات المساجد وظل الأمر كذلك حتى تولى اللواء زكي بدر الذي أدرك ضرورة المواجهة قبل استفحال النشاط المسلح لهذا التنظيم وأدرك أنه من المؤكد يقف خلفه جناح عسكري خطير.. وبدأت المواجهات منذ عام 87 وأثنائها ترك للإخوان العمل كما يحلو لهم في النقابات واختراق الأحزاب والتحالف معها والجامعات بزعم أنهم "جماعة معتدلة"! وهذا الجيل الذي نشأ وتربى في الجماعة من بعد ذلك هو الذي نواجهه اليوم !
الخلاصة أخطاء جسيمة ندفع حسابها اليوم.. وتبقى نقطة مهمة وهي أن ثلاثة من أعضاء التنظيم ألقت أجهزة الأمن القبض عليهم قبل الأحداث بساعات للاشتباه وأودعوا زنازين قسم أول أسيوط حدهم ظل يصرخ لفترة طويلة طالبا لقاء المأمور لأمر خطير سيحدث بعد ساعات.. وحاول مرات أخرى دون فائدة.. فقد كان المأمور العقيد محمود سلامة قد عاد إلى بيته.. أما عضو الجماعة المحبوس مع آخرين فقد كان أحد المكلفين بالعمل المسلح واحتلال أسيوط وأراد الإبلاغ ليتحول إلى شاهد ملك.. إلا أن الضابط الموجود نهره وطالبه بالصمت على أن يبلغ المأمور عندما يجيء في الصباح.. فحدث ما حدث من مجزرة كبرى كان يمكن منعها لو توفر الحس الأمني العالي!
خلاصة الخلاصة: قبل مرور عشرة أعوام على الحادث المذكور شهدت مصر موجة عنف قاسية.. عاتية.. أصعب من الحالية.. وانتصرت -انتصرنا- فيها !
