آسف يا دكتور شيحة !!
تغير الزمن وتبدل الحال، وأسدل الستار على ما كان.. انطوت صفحات وفتحت أخرى مازلنا نسطر فيها الحروف الأولى، نرمق من ثقب صغير مؤشرات لمستقبل نتمنى أن يكون أفضل في ظل متغيرات تجبرنا على ممارسة رياضة حبس الأنفاس.. شعب لم يجد أمامه سوى التحلي بفضيلة الصبر، ورئيس ودع رفاهية سابقيه وتضاعفت تجاعيد جبهته بفعل العوز، وأثقلت كاهله فواتير عصور ولت، رئيس تقاسم مع شعبه حلم الخروج من عنق الزجاجة في ظل تربصات بمصر تكاد أن تعصف ليس فقط بالحلم ولكن بالمنطقة بأسرها.
هذا هو حاضرنا.. وتلك هي علاقتنا بالماضي، فقط.. نسدد فواتيره.. لكن البعض قرر ألا يبرح هذا الماضى، بل يصر على جرجرتنا إليه، ربما لأنه استمرأ العيش فيه لأسباب خاصة، أو أنه غير منسجم مع الحاضر لأنه ليس على هواه، أو أنه لم يدرك تغير الزمن وتبدل الحال.. ومن هؤلاء الدكتور جمال شيحة، أستاذ أمراض الكبد ورئيس لجنة التعليم بالبرلمان.. أمس الأول كتبت في هذا المكان عن الحملة الإعلانية التي أنفق شيحة عليها الملايين لجمع تبرعات لجمعية مرضى الكبد التي يرأسها، وتمنيت عليه أن يقدم ما جمعه من زكاة المصريين إلى مستشفيات جامعة المنصورة، لأنه وبحكم عمله في هذه الجامعة يعلم حاجة مستشفياتها للدعم المادي خاصة أنها تعالج الملايين من محافظات مصر وبها أكبر مركز لعلاج وزراعة الكبد في الشرق الأوسط.
أمس في صحيفة الأهرام.. فوجئت بإعلان لجمعية مرضى الكبد يحمل تهنئة للشعب المصرى والرئيس السيسي بمناسبة ثورة «30 يونيو» والإعلان مذيل باسم الدكتور جمال شيحة، رئيس الجمعية.. وكأنه يرد على ما كتبته، ليس بالكلام.. ولكن بإخراج اللسان.. رد الفعل على هذا الإعلان قرأته على "فيس بوك" بعنوان (آسف يا دكتور شيحة) لأحد المتبرعين الداعمين لجمعية شيحة ويدعى أحمد طلعت، قال الرجل إنه دأب على التبرع للجمعية طوال السنوات الثمانى الماضية بمبلغ لا بأس به.. صدقة على روح زوجته التي ماتت متأثرة بأمراض الكبد، ويستطرد طلعت: عندما تزايدت إعلانات الجمعية خاصة في رمضان اعتبرت ذلك ضرورة لزيادة التبرعات لكنى أصبت بالصدمة عندما شاهدت إعلان الجمعية في صحيفة الأهرام، وهو تهنئة سياسية لا علاقة لها بأغراض الجمعية، فقط.. هو نفاق للسلطة، ثم أيقنت أننى لم أكن أساعد مرضى الكبد، لكن مساعدتى كانت لمرضى الكذب، لذلك قررت توجيه تبرعى السنوى إلى وجهة أخرى.
لن أتوقف كثيرًا أمام هذه الرسالة لأننى على يقين أن ماجاش بصدر هذا الرجل تجيش به صدور آخرين، لكنى أمام أسئلة أصبح طرحها حتميا: هل دفع جمال شيحة قيمة هذا الإعلان لمؤسسة الأهرام من ماله الخاص أم من أموال التبرعات؟ وإذا كان هو من دفع فلماذا لم يصرح بما يريد عن ثورة 30 يونيو ويرسل ما شاء من تهانى لوسائل الإعلان المختلفة أسوة بزملائه من نواب البرلمان؟ خاصة أنه سيجد من يسارع بنشر هذه التصريحات في الصحف والقنوات؟ أم أنه اعتاد على دفع ثمن ظهوره ولم يدرك أنه أصبح رجلًا سياسيًا يرأس لجنة مهمة في البرلمان وكل النوافذ الإعلامية مفتوحة أمامه بالمجان؟ وإذا كانت قيمة الإعلان من تبرعات الجمعية..
فهل من حق شيحة أن يدفع قيمتها من زكاة المصريين؟ ألم يتذكر التعليمات التي صدرت للهيئات والمؤسسات ورجال الأعمال والشخصيات العامة ألا ينشروا برقيات عزاء للرئيس عندما توفيت والدته؟ ألم يدرك حتى الآن أن الرئيس السيسي يحث القادرين على التبرع ولو بجنيه لصندوق "تحيا مصر" بدلًا من إعلانات النفاق التي ذهبت مع الزمن الذي طوينا صفحته؟ ألا يعلم شيحة أن المسافة بين الجمعية التي يرأسها ومستشفيات جامعة المنصورة التي تعالج مرضى الكبد بالمجان عشرين دقيقة فقط؟ ألم يكن الأحرى به أن يقصر نشاطه في جمع التبرعات على مستشفيات الجامعة التي ينتمى إليها؟ ولماذا لا يتخذ من الدكتور محمد غنيم مؤسس مركز الكلى، والدكتور محمد عبد الوهاب مؤسس مركز زراعة الكبد، قدوة في جمع التبرعات، خاصة أنه ينتمي مثلهما لجامعة المنصورة؟ ألم يكن بإمكان الاثنين جمع تبرعات لمؤسسات خاصة بهما خارج أسوار الجامعة؟
وأخيرًا.. على الدكتور جمال شيحة وغيره من الذين يسعون إلى جرجرتنا إلى الماضى أن يدركوا تغير الزمن، وأن الرئيس السيسي رجل مخابرات في الأساس وقادر على الفرز، وأذكر شيحة ربما تنفع الذكرى، عندما مات محمد علاء مبارك.. أطلقت اسمه على أحد أقسام الجمعية التي تجمع التبرعات باسمها، وعندما ذهب مبارك.. ذهب معه اسم حفيده.. الزمن تغير، لكن أصحاب المبادئ أبدًا لا يتغيرون.
basher_hassan@hotmail.com