رئيس التحرير
عصام كامل

الشيخ عبد الحليم محمود يكتب: القيم الروحية للصيام

 الدكتور عبد الحليم
الدكتور عبد الحليم محمود، شيخ الأزهر الأسبق


في مجلة آخر ساعة عام 1980 كتب الدكتور عبد الحليم محمود، شيخ الأزهر الأسبق، مقالا جاء فيه:

«يبدأ الحديث عن الصيام بالحديث عن حكمته، فحينما يحل هذا الشهر المبارك يكثر الحديث عنه في الصحف والمجلات والكتب، وتتبارى صحافتنا المصرية في اجتذاب أكبر عدد من الكتاب ليكتبوا حديث رمضان، أو حديث الصيام.


ويتنافس كتابنا في استنتاج الهدف من الصيام، ومن الحق أن نقول إن التوفيق يصاحبهم في كثير من الأحايين، بيد أن هذه الآراء التي تذكر في حكمة الصيام محدودة، ولذلك فهي دائما موضع تكرار.

فمن الآراء التي ذكرت في حكمة الصيام أن الإنسان تحكمه عاداته إلى درجة يصبح معها وكأنه آلة من الآلات التي تسير على نسق معين، والإنسان الذي تحكمه عاداته يصبح عبدا لها، وفرض الله الصيام ليحرر الإنسان من هذه العبودية.

وقد كتب الكثير عن فوائد الصوم من الناحية الطبية، فكتب المرحوم فريد وجدي يقول (كان الناس إلى زمان قريب يحسبون أن الصيام من الشئون الخاصة بالأديان).

ولم يكد ينتشر الطب بين الناس حتى علموا أن الصيام قد اعتبر من مقومات الصحة الجسمانية، كما علموا من عهد أبقراط أنه عامل قوي لتنقية الجسم من سموم الأغذية.

كذلك فرض الله الصوم ليحس الغني بألم الجوع فيحسن إلى الفقير، وبذلك يسود العطف والمودة في المجتمع، وكذلك فرض الصيام تهذيبا للنفس وتصفية للروح.

ومن دقة الإمام الشافعي أنه لم يقل إن الصوم يعلم الجود، فقال (أحب للصائم الزيادة بالجود في رمضان اقتداء برسول الله ولحاجة الناس فيه إلى مصالحهم ولتشاغل كثير منهم فيه بالعبادة عن مكاسبهم).

كما لاحظ ذوو البصائر أن الصبر لايكاد يوجد عند الصائم، بل يتخذ الناس عذرا للصائم، ومن هنا يرى بعض المفكرين أن حكمة الصوم لايعلمها غير الله.

ونحن هنا لا نتمشى مع النظرة التي تنفض يدها من بيان الحكمة من الصوم، ولكن لو تأملنا الآيات القرآنية التي تحدثت عن الصوم فستلهمنا الحكمة، ففى قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون"، ولعل هنا نجزم بأن الصوم يعد ثمرة التقوى للصائم، فإذا ماتعهد الإنسان نفسه التي أعدت بالصوم وانتهى إلى التقوى كان جزاؤه حقيقة عند الله عظيما.

ولا ينتهى الصوم إلى ثمرته التي إرادةا الله منه إلا إذا صدقت النية وقويت العزيمة.

والتقوى تتألف من عنصرين، العنصر الإيجابي وهو القيام بما أمر سبحانه وتعالى من فروض وواجبات في القول، كالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.

اما العنصر الثاني للتقوى فهو الامتناع عما نهى الله عنه في القول كالغيبة والنميمة والكذب، وإذا تحققت التقوى بالصوم فقد تحققت القيم الروحية التي أحبها الله سبحانه وتعالى للصائم.
الجريدة الرسمية