رئيس التحرير
عصام كامل

فى منزل الشاطر


أذكر أننى منذ ما يقرب من ثمانية أعوام ذهبت يوما مع إحدى الصديقات إلى منزل خيرت الشاطر الذى كان وقتها جارا لى بشارع الحارونى بمدينة نصر، وكانت زوجته -وهى سيدة فاضلة– تنظم فى بيتها دروسا دينية تعقبها امتحانات صورية يشرف عليها أحد أساتذة جامعة الأزهر.

وقد أعجبنى نشاط زوجة الشاطر التى تحرص الجارات على حضور الدروس فى بيتها بشكل خاص ونشاط أسرة الشاطر بشكل عام، حيث إن لبناته فضلا لا يُنكر فى تعليم القراءة والكتابة لمعظم بنات البوابين والخادمات العاملات بشارعنا والشوارع المحيطة به من خلال دروس محو الأمية التى نظمتها الأسرة فى معظم الجوامع الصغيرة بالمنطقة.

والحقيقة أننى لم أذهب إلى بيتهم إلا مرة واحدة مدفوعة بتعاطفى مع هذه الأسرة الإخوانية التى تناضل رغم غياب رب الأسرة لأشهر وربما لسنوات فى سجون النظام ورغبتى فى رؤية ربتها الصلبة عن قرب، وقد استمتعت خلال الزيارة بحديث السيدة التى أشهد لها أنها على درجة مرموقة من الأخلاق والتدين والثقافة، وأبهرنى تفسيرها السهل الممتنع للآيات الأولى من سورة البقرة التى وصفتها بأنها مقدمة عظيمة لكتاب عظيم.

تحدثنا يومها عن مشاكل الأولاد وشقاوتهم وكيفية إلزامهم بصلاة الفجر ونصحتنى هى بدعاء لهداية الولد ثم تطرق الحديث لأوضاع البلد ومشروع الثوريث والفساد والظلم، كنت أنا حانقة ومنفعلة وكانت هى تبتسم طوال الوقت فى هدوء أثار تعجبى حيث كان زوجها خيرت الشاطر مسجوناً فى هذا الوقت!

تحدثت تعقيبا على كلامى عن تحريم الخروج على الحاكم، واستندت فى ذلك إلى قصة لعمر بن الخطاب لا أذكرها الآن، وفى نهاية الحديث سألتها السؤال الذى سأله بعد ذلك "حزلئوم" للأستاذ غسان مطر: "يعنى نعمل إيه؟" فقالت العمل فى هدوء والمحاولة الدءوبة للوصول إلى أى منصب، فالوصول إلى أى كرسى مكسب، وأضافت: إن شالله رئاسة اتحاد ملاك العمارة!!!

وقد عملت بنصيحة السيدة وسعيت بعدها للسيطرة على عقول هوانم العمارة من خلال دعوات كنت أعلقها فى الأسانسير تدعو إلى الاجتماع فى منزلى لمناقشة أمور تخص نظافة العمارة وتجميلها كما عرضت باعتبارى فنانة تشكيلية أن أتولى تجديد ديكورات مدخل العمارة متطوعة (جر رِجل)، وفى أقل من ثلاثة أشهر نجحت الخطة، وكانت الاجتماعات شبه أسبوعية فى بيتى، ولكنها خرجت عن مسارها قليلا فقد تحولت الجلسات من النقاشات السياسية و(التسخين) على مشروع التوريث إلى (تسخين) الفحم لزوم الشيشة و(التسخين) على الأزواج الذين اكتشفوا خطورة هذه الاجتماعات وعملوا على إفشالها!

اليوم أتذكر نصيحة السيدة وأتعجب، فالحرص على شغل المناصب الهامة والوصول إلى كراسى السلطة لم يعد بالنسبة للإخوان وسيلة لمحاربة الاضطهاد، وإنما تحول إلى أسلوب حياة! الإخوان الذين لم يتوقفوا يوما عن (المسكنة) بذكر سنوات الاضطهاد والستينيات، وما أدراك ما الستينيات، زعما أنهم تحملوا بهدلة السجون من أجل تحقيق الديمقراطية هم أنفسهم الذين يسعوا اليوم إلى عرقلة تطبيق النظام السياسى الديمقراطى الذى يضمن لجميع التيارات المشاركة فى صنع القرار.

والذى كان على رأس مطالب الثورة التى يدعى (عريانهم) إنها ثورة إخوانية! الإخوان يريدون لجماعتهم (أو جمعيتهم حسب آخر نكتة) أن تستحوذ استحواذا كاملا على السلطة؛ كراسى البرلمان، الجمعية التأسيسية، الحكومة، كرسى الرئاسة، وحتى كرسى رئيس اتحاد ملاك العمارة.
الجريدة الرسمية