رئيس التحرير
عصام كامل

لماذا وافقت مصر على «قرار» مجلس الأمن الخاص بسوريا!


السطور التالية حديث في السياسة وليست حديث في الخطابة.. والسطور التالية كلام في لعبة العلاقات والمصالح الدولية وليست كلام في التشنج والصراخ والهيستريا.. وكانت موافقة مصر على مشروع القرار الغربي الخاص بسوريا صدمة للكثيرين كنا منهم.. لكننا تعودنا أن لا نقف ولا نتوقف عند الصدمات!


حتى الآن لا نعرف سر تسمية مشروع القرار الغربي في مجلس الأمن بأنه "ضد سوريا" رغم أن الأدق هو "الخاص بسوريا" فلا يوجد في القرار أصلًا شيء أو سطر أو جملة أو كلمة ضد سوريا، بل يدور مشروع القرار كله حول عدة نقاط أساسية صيغت من أجل إقناع روسيا بتمريره والقبول به، وهذه النقاط وطبقًا لقناة "ار تي" الروسية نفسها وموقعها هي:

-"مطالبة السلطات السورية بتقديم معلومات حول جميع تحليقات طائراتها في يوم الحادث للأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية.

-ضمان إمكانية وصول الخبراء المختصين إلى القواعد العسكرية، التي كان من الممكن أن يتم انطلاقًا منها توجيه الضربات إلى خان شيخون.

-ضمان تعاون كافة الأطراف لإنجاح هذا القرار.

وهنا.. وعندما يكون البند الأول يخاطب السلطات السورية فهو اعتراف دولي بمن يحكم في سوريا.. وعندما يستخدم لفظ "الأطراف" فلكي تخضع المعارضة للقرار.. وبالتالي فلا مشروع القرار اتهم سوريا بتدبير حادث الكيماوي.. ولا القرار نص على وصول خبراء من الولايات المتحدة أو دول بعينها ولا طالب سوريا بتسليم تقرير تحليقات طائراتها للولايات المتحدة بل طالب بتسليمه للأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة!

السؤال: هل ترفض روسيا تشكيل بعثة تحقيق؟ لا.. بل وطبقًا للمصدر ذاته فكان هناك مشروع قرار آخر قدمته روسيا جاء فيه ما يلي:
"إعطاء الأولوية لتشكيل فريق خبراء مستقلين له تمثيل دولي واسع وإرساله إلى موقع الهجوم الكيميائي المزعوم لإجراء تحقيق موضوعي على الأرض"!

وبالتالي فروسيا نفسها تسعى لتشكيل لجنة تحقيق لكنها تريد ضمان استقلالية أعضائه.. سؤال: وهل سوريا وهي صاحبة الشأن توافق على ذلك؟ طبعًا توافق وآخر التصريحات بهذا الشأن كانت للرئيس بشار الأسد نفسه الذي قال لـ"فرانس برس" ما يلي حرفيًا:
"إننا سنعمل معهم لإجراء تحقيق دولي لكن ينبغي لهذا التحقيق أن يكون نزيهًا ويمكننا أن نسمح بأي تحقيق فقط عندما يكون غير منحاز، وعلينا نتأكد أن دولًا محايدة ستشارك في هذا التحقيق كي نضمن أنها لن تستخدمه لأغراض سياسية"!

السؤال الآن: هل وقفت مصر مع أمريكا ضد سوريا الشقيقة؟ السطور السابقة أجابت.. والسؤال أيضًا: لماذا إذن رفضت روسيا القرار؟ روسيا رفضت القرار لعدة أسباب منها حتى لا يكون مدخلًا لتدخلات أخرى كما جرى في ليبيا وكذلك لأنها تقدمت بمشروع آخر رفضته الدول الغربية والأهم أن الرفض يحمل رد الاعتبار الوحيد على العدوان الأمريكي!

نصل إلى السؤال الأهم: لماذا لم ترفضه مصر أيضًا كما فعلت روسيا؟ الإجابة باختصار شديد أن مصر يحكمها قاعدتان في السياسة الخارجية هما: القناعات والمصلحة.. وهما معًا يحددان أي قرار.. وقناعات مصر أن الحل الأسرع للأزمة هو إجراء تحقيق دولي تدرك مصر تمامًا براءة سوريا منه.. وهذه هي القناعة الثانية الخاصة بالمصلحة هو ما الفائدة من إفساد أي خطوات تمت مع الولايات المتحدة بسبب قرار لن يصدر؟ لقد أعلنت روسيا مسبقًا أنها ستستخدم الفيتو.. ومصر تعلم من المشاورات أن لروسيا مشروع قرار رفضه الغرب وبالتالي فمن المؤكد رفض روسيا لقرار الغرب!

البعض سيقول الآن: كيف تقبل على بلدك هذا التبرير؟ ونقول انظر ماذا فعلت الصين مع القرار! لقد امتنعت الصين -الصين بجلالة قدرها -عن التصويت للسبب نفسه وقد كان رئيسها التقى ترامب في الوقت نفسه الذي التقاه السيسي، وبالتالي فمصر والصين يريدان لصفحة علاقاتهم الجديدة مع ترامب أن تنضج وتتضح!

أحدهم سيقول: إننا لم نصل لموقف بوليفيا! ولهؤلاء نقول: بوليفيا لها مع روسيا اتفاقية تعاون عسكري تقترب من الدفاع المشترك ونظامها معادي لأمريكا منذ سنوات طويلة على غرار فنزويلا على خلاف مصر، التي ورث الرئيس السيسي فيها علاقات تحالف مع أمريكا تصل إلى أسوأ من التحالف بكثير! كما أن بوليفيا لا تعاني ظروف مصر ولا يضربها إرهاب ولا يتأمر عليها أحد ولا تعاني من ارتباك سياسي كما هو الحال هنا منذ سنوات!

ملحوظة مهمة: لاحظنا تحذير من السفارة الأمريكية بالقاهرة قبل التصويت بساعات لرعاياها في مصر بالابتعاد عن التجمعات ودور العبادة.. ولم تكن مصر في حاجة إلى هذا التهويش فمصر لا تصوت إلا طبقًا للقاعدتين المذكورتين سابقًا.. رغم خطورة تطور التحذير بعد حادثي الكنيستين فعلًا!

ملحوظة أهم: نتمنى أن تقف مصر إلى جانب سوريا إلى أبعد مدى.. ونستعجل ذلك ونريده فهي الدولة الأقرب لمصر على الإطلاق وحجم التعاطف المصري مع الشقيقة سوريا لا مثيل له.. ولكن هذا لا يتم إلا أن استعادت مصر قوتها أو بعضًا منها.. فاتركوها تلملم نفسها.. وبعدها حاسبوها كما تشاءون.. لكنكم تريدون من مريض يتعافى في غرفة الإفاقة أن يندفع إلى مباراة في المصارعة.. لا هو جاهز لها ولا هو طلبها بنفسه.. فارحموها وارحمونا وارحموا سوريا نفسها، والساسة السوريين أساتذة في الذكاء السياسي وخبراتهم فيه طويلة ويقدرون ويفهمون كل شيء!!
الجريدة الرسمية