رئيس التحرير
عصام كامل

يوميات «العندليب» في بيت «أم أمين».. كان لا يأكل الملوخية سوى من يدها

فيتو

إحدى ليالي عام 1951 شهد بداية انطلاق ثنائي غيرا الخريطة الفنية في العالم العربي كله، كان "محمد الموجي" آنذاك يخطو أولى خطواته في عالم الفن، يسير في شارع كورنيش النيل فاستمع إلى صوت مطرب جديد فأعجبه الصوت، وعرف في نهاية الأغنية أن اسمه "عبد الحليم حافظ" لتشهد تلك اللحظة بداية تعارف سمعي طرفها الأول محمد الموجي والثاني عبد الحليم حافظ، ليسطرا فيما بعد سيرتهما ضمن جيل العمالقة.



يوميات «العندليب» في بيت «أم أمين».... من طرف vetogate2014
ورغم أن العديد من الروايات تؤكد أن بداية التعارف بين العندليب والموجي كانت مع إطلاق أغنية "صافيني مرة" ذائعة الصيت، إلا أن هناك عددًا من المحاولات سبقت الانطلاقة الرسمية للثنائي، وكان أولها أغنية "يا حلو يا أسمر".

صاحب انطلاقة حليم الفنية انطلاق المرض في جسده ومع كل نجاح حققه كان المرض يأكل جزءًا من جسده النحيل، لم يعرف طريقًا للاستسلام وخاض نزال لسنوات في مواجهة شبح الموت، فأصابه مرض الالتهاب الكبدي الوبائي، وهاجم السرطان خلايا دمه، وصدح صوته بآناته في آخر أعماله "قارئة الفنجان" وتمايل عليها عشاقه طربًا ولم يدركوا أن العندليب يلقي قبلة الوداع، ويغلق الباب على حالة فنية ستبقى خالدة في ذاكرة الزمن.

وطوال رحلته الفنية التصق العندليب بالموجي، ونمت بينهما علاقة صداقة كان الوسط الفني وقتها يحسدهما عليها، وكان عبد الحليم شبه مقيم في منزل الموجي بالجيزة، وتربطه محبة من نوع خاص مع أسرة الموجي.

وعن تلك الرحلة، وتفاصيل ما جرى للعندليب في أيامه الأخيرة، يروي الملحن الكبير الموجي الصغير أحد أبناء محمد الموجي:"البداية الحقيقية كانت أغنية "صافيني مرة"، التي رفضها أكثر من مطرب، فتقدم حليم إلى صديقه الموجي قائلًا: "إيه رأيك أغنيها أنا يا موجي، ورزقي ورزقك على الله".

كان لنشأة حليم في دار أيتام أثرًا في نفسه، غابت عنه الأسرة منذ طفولته وكبر اليتم معه يومًا بعد يوم، فكان يفرح كالأطفال بين جمهوره ومحبيه، وفي الحزن ينزوي بعيدًا في أحد الأركان منغلقًا على نفسه، لم يكبر الطفل الصغير في قلب العندليب.. وغياب الأسرة جعله محبًا للتجمعات الأسرية يشعر من خلالها أنه كامل.

يروي الموجي الصغير لحظات الضعف التي لاحقت العندليب: "مرض حليم مرضًا شديدًا، فكان يتقيأ دمًا ويتعرض لنزيف بشكل كبير وأجرى أكثر من عملية وتسرب السرطان إلى جسده واشتد المرض عليه، دُمر كبده وأصابه سرطان المعدة واضطر لإجراء جراحة لقص جزء من المعدة، وعملية جراحية أخرى لإزالة 4 أضلاع من قفصه الصدري".. يتنهد "الحياة لم تكن عادلة مع حليم.. مثلما أعطته أخذت منه الكثير".

















صينية البطاطس
العندليب ورغم شهرته وسلطانه وبزوغ نجمه ونجاحاته الكثيرة، التي جعلت منه أيقونة في عالم الأغنية العربية إلا أن الحرمان صاحبه طوال حياته، حتى من أبسط الأشياء ولو حتى "صينية بطاطس بالدمعة"، ينبش الموجي الصغير في دفاتره القديمة، ويتذكر كيف وصلت معاناة العندليب إلى ذورتها، ويذكر أنه في إحدى ليالِ رمضان حضر حليم ليفطر في منزل الموجي، حيث كان التداخل العائلي فيما بينهما يصل إلى أقصى الحدود، فجلست عائلة الموجي يتوسطهم حليم، وكان عاشقًا لملوخية "أم أمين" زوجة الموجي، بل إنه كان لا يأكل الملوخية إلا من يديها، وكان وقتها ممنوع من أكل المسبكات، وكان ضمن سفرة الطعام "بطاطس بالدمعة" ورائحتها الذكية راودت حليم عن نفسها إلا أنه قوبل بالرفض من والدنا، وترجاه حليم لأن يتناول ولو لقمة واستمر والدنا في الرفض، وما إن فرغ الموجي من طعامه وذهب ليغسل يده حتى التهم حليم قطعتان من البطاطس خلسة، إلا أنه فور عودته إلى منزله أصيب بنزيف نقل على إثره إلى المستشفى". 

















يوم أن لطم حليم
لم يكن طريق النجاح ممهدًا، فتقول الحكمة "الوصول إلى القمة صعب أما البقاء على القمة من المستحيلات" وكان حليم يشعر في قرارة نفسه أن المنافسة على أشدها، وأن البقاء متربعًا على عرش الأغنية العربية محفوف بالمخاطر.

ويذكر الموجي الصغير، أن حليم كان على خلاف مع والده، لفترة طويلة وصلت إلى أكثر من عام، وكان الموسم الغنائي بدأ يفتح أبوابه وكان لزامًا عليه أن يخوض الموسم بأحد الأغاني التي تسجل حضوره، وحينها كان بليغ حمدي يعمل مع وردة وحدها، وكمال الطويل شبه معتزل، وعبد الوهاب تشبع من الفن، وينتج على فترات متباعدة أغنية أو اثنين بالأكثر، فعكف حليم على تلحين أغنية لنفسه ممسكًا بالعود، وبالفعل أنتج لحنًا ودعا "مجدي العمروسي" أحد أقرب أصدقائه للاستماع إلى اللحن، إلا أن الأخير أبدى تململه من اللحن لينهار حليم ويلطم على وجهه، وقام بتكسير العود وجلس يبكي حظه العاسر، حتى أقنعه بالاتصال بالموجي ليعودا للعمل معًا مرة أخرى بعد فترة قطيعة شابت مسيرة الصديقين. 













أم أمين ومفعولها السحري
لعبت أم أمين زوجة محمد الموجي دورًا محوريًا في علاقة الثنائي، فكانت الأم والأخت الكبرى لكليهما، ولجأ إليها حليم لتتدخل للصلح بينهما، يقول الموجي الصغير:"لجأت والدتي "أم أمين" إلى حيلة ذكية للتوفيق بينهما، واقنعت الموجي أن أحد أقاربه جاء من البلد لزيارتهم مما استدعى بقائه في المنزل، وإذا فجأة كان الزائر "حليم" ليلقي بنفسه في أحضان الموجي ويبدأ وصلة من البكاء، فكانا الاثنان يآنان ويتعاتبان دون أن ينطقا. 

كان حليم متداخلًا في عائلة الموجي ويعتبر أم أمين أخته الكبرى ووالدته، فكان يجلس في منزل الموجي بجانب أم أمين يقطف الملوخية التي يعشقها من أيديها، وكان أخًا أكبر لأبناء الموجي يهتم بدراستهم ويعنفهم لتعثرهم في سنواتهم الدراسية ويكافئهم في نجاحاتهم. 

ويذكر الموجي، أنه خلال فترة قطيعة حليم والموجي، أجرى حليم اتصالًا هاتفيًا بالمنزل ليبدي استيائه من عدم سؤال أم أمين وأبنائه عليه خلال الفترة الماضية، ودعانا إلى ضرورة الحضور إلى منزله وبالفعل ذهبنا إليه، وما إن وصلنا حتى اندفع بالبكاء قائلًا: "أنا اختلف مع أبوكم في الفن لكن مش هختلف معاكم أنتم أبنائي وأخوتي واحتضنا وجلس برفقتنا وكان يضع لنا الطعام في فمنا".
























الجريدة الرسمية