رئيس التحرير
عصام كامل

فرق بين السياسة الصحية النموذجية والمستترة


يستطيع الباحث أن يؤكد بثقة أن هناك سياسات صحية في مصر تعكسها قرارات وتصريحات متتالية، وهي تختلف تماما عن المبادئ المعلن عنها في دستور مصر، أو في التصريحات الإعلامية الخادعة.. ومن ذلك أن هناك قناعة واعتقاد قوي بالتالي:


- العلاج هو سلعة يشتريها من يحتاجها، ويجب أن يدفع الثمن، أما غير القادرين فسوف تعمل الحكومة على تقديم خدمات لهم بالقدر والمال الذي يسمح لها بذلك.

- العلاج المجاني لا مجال له، والخدمات المتدهورة هي نتيجة مجانية العلاج.

- الحل الجذري للصحة (وكذلك التعليم) أن تصبح البلاد غنية بالتنمية الاقتصادية والمشاريع الكبري، وهنا تزيد دخول المواطنين، ويشترون العلاج الخاص، ويزيد دخل الدولة لتقديم علاج بالقطاع العام أو الخاص للفقراء تدفع ثمنه الدولة.

- القطاع الخاص هو المصدر الأساسي للعلاج، ويترك للطبيب تحديد العلاج، وكذلك السعر الذي يحصل عليه لأن ذلك من حقه.

- لا مانع من تعدد مستويات العلاج طبقا لمستوي المريض ومركزه ومستواه المالي والاجتماعي، ويظهر ذلك بوضوح في نظم العلاج الخاصة مثل القضاء ووزارة النقل والسكك الحديدية والبترول والشركات العامة وقناة السويس والصناديق الخاصة وغيرها، حيث يختلف بالتبعية مركز الطبيب المعالج، والمستشفي، والحد الأعلي المسموح بصرفه والعلاج بالخارج.

هذه هي المبررات الحقيقية للقرارات التي تتخذ وتنفذ، والتصريحات العفوية التي تصدر عن قصد أو غير قصد.

أما الحقائق الثابتة والأصيلة عالميا في هذا المجال فهي:
- الصحة والعلاج ليست سلعا بل خدمات محددة يقدمها أعضاء المهن الطبية طبقا للأصول المهنية، ولأن المريض لا يختار مرضه، ولا اُسلوب علاجه، فلا يجوز أن يختلف العلاج أو تندرج الخدمات تحت مستويات متعددة طبقا لأهمية ومركز المريض.

- جميع الدول الصناعية بل وأغناها تقدم نظما عامة للتأمين الصحي الشامل لكل مواطنيها بما فيهم الأغنياء (وقلة منهم تشتري تأمينا تكميليا ليغطي خدمات فندقية أو غير أساسية)، ولذا أصبحت الصحة حق، حق موحد وشامل ومتساو ومتماثل لكل مواطن.

- الخدمات الصحية تخطط بالأسلوب العلمي الاقتصادي دون أي هدر، لأن التكلفة تزيد فلكيا في جميع الدول، نظرا للاكتشافات باهظة التكاليف في التشخيص والعلاج، ولذا فان أغني الدول تخفض عدد أسرة مستشفياتها لترشيد الإنفاق، وتتحول للوقاية ولمنع المرض وللعلاج بالعيادات الخارجية، والإقلال من دخول المستشفيات أو البقاء بها ما أمكن ذلك.

- لا يجوز أن يطلب أي أموال من المرضي (عدا رسوم اسمية) عند زيارة المرافق الصحية أو قبل تقديم العلاج. ولا أن يرفض الطبيب أو المرفق الصحي علاج أي مريض بسبب الأموال.

- القطاع الخاص هو مكمل للقطاع العام، ويعمل بالتعاقد مع نظم التأمين بأكثر الوسائل الاقتصادية وفرا، مثل الدفع المسبق أو استخدام وحده تشخيص المرض(وليس الأجر مقابل كل خدمة) وذلك مع مراقبة مستمرة للجودة ومراعاة الإرشادات الإكلينيكية السائدة علميا في كل حالة(وليس أبدا التفتيش الدوري والاعتماد والتسجيل).

ببساطة نحن نبني المستشفيات، ونهمل تعليم الأطباء في الكليات ثم في التخصصات، وكذلك التمريض والفنيين، ولا نعلم التخطيط أو الإدارة الصحية ونري أن الإدارة موهبة طبيعية تخص الاستشاريين الإكلينيكيين أو المجتهدين، ونري أن الجودة هي في اعتماد المنشآت، ونري أن أي قصور سببه نقص الأموال، لأن الطب بل والتعليم الصحي والطبي ببساطة أصبح تجارة رابحة للبعض
الخلاصة، لعلكم تلاحظون الفرق بين السلوك السائد، والمبادئ الحاكمة للنظم الصحية التي تسود العالم، وننادي بها كل يوم
عندما تصل القناعة بهذه المبادئ، وعندما نتخلي عن السلوك المغرض أو الضار بصحة الجمهور العريض، وعندما ندرك أن كل يوم يمر على المضي في هذا السلوك يسبب وفيات يمكن تحاشيها، ومعاناة أو إفلاسا أو ألما لقطاعات كبيرة من الشعب -عندما تحدث هذه القناعة سوف تصغي الآذان إلى ما نقوله من بدء العمل بالإصلاح الصحي الشامل.
الجريدة الرسمية