رئيس التحرير
عصام كامل

الزواج الثاني أم الوجبة الثانية!


عندما تجد الإعلام التافه يتحدث ليل نهار عن مشكلات ليس لها وجود في الواقع فاعلم أن هناك مشكلات أكبر وأخطر وأشد إلحاحًا على الساحة، ولذا يتم اختلاق تفاهات للحديث عنها، فبعد حديث السيد الرئيس عن الطلاق الشفوى ومشكلاته، في يوم 25 يناير التائهة بين الحكومة كمسمى لعيد الشرطة أو لثورة يناير التي كانت موجهة بالأساس ضد أصحاب الاحتفالية، وجدنا سيلا من البرامج التافهة والمتهافتة عن مشروعية الطلاق الشفهى مع أن الأمر شرعى وواضح جدا ولا يحتاج لكل تلك السخافات الإعلامية، ولكن لأن الرئيس تحدث عن الموضوع، نصب كل مذيع نفسه قاضيًا شرعيًا وفقيهًا علامة في أمور الدين حتى بعد أن حسم رجال الأزهر الأمر بوقوع الطلاق شفهيًا، وهذا كان أمرًا في غاية البساطة لأنه شرع الله وحده فاصلا واضحا من حدوده وليس اجتهادًا فقهيًا يقبل التأويل !


لا يعنينا هذا بقدر ما يعنيا أمرين في غاية الأهمية قد غابا بالفعل عن كل من أراد المجاملة فشن هجومًا على الأزهر، أولاهما أن السيد الرئيس تحدث عن نسب الطلاق المرتفع وتغافل الجميع أن ما تداوله الرئيس هي تلك النسب الموثقة فعليًا والتي أحصتها الأجهزة الحكومية.. إذن ليس طلاقًا شفهيًا فحسب وإنما رسمي موثق حكومي بات!

ثانيا، تجاهل الجميع أن أسباب الطلاق عديدة، ولكن في الفترة الأخيرة قد ازدادت بفعل ارتفاع حالات الإفقار وإلفاقه وانخفاض الدخل أو تجمده من ناحية، ثم التهام نسب التضخم العالية والقياسية لدخل الأفراد مما خلق مشكلات اجتماعية كارثية هدمت كثيرًا من البيوت المصرية، هذا بخلاف تبدل القيم وتدهور منظومة المعايير المصرية الأصيلة، ثم ظهور قيم استهلاكية وأخلاقية دخيلة كنت قد ذكرت جزءًا منها في مقال سابق، عن نساء الكافيهات اللاتي يهربن من بيوتهن للجلوس على المقاهى والكافيهات أكثر من الرجال أحيانًا!

لكن اللافت للنظر أن أحدًا لم يجرؤ على فتح أسباب الطلاق؛ وذلك لسبب بسيط وهو خشية إغضاب النظام، أو هكذا يتوهمون، إن قام أحد البرامج بمناقشة الموضوع جديًا ومنطقيًا وبقدر معقول من الموضوعية بعيدا عن السخف والشعبوية المعتادة التي تجلب إعلانات أكثر وملايين عديدة للمذيع ومن معه، بالقطع الطلاق مشكلة كبيرة جدا والوضع الاقتصادى الذي يتميز سلبيا بغياب شبه تام للعدالة الاجتماعية كان أحد أسباب تفاقمها، لكن هذا ليس الأمر كله فهناك أسباب أكثر تعقيدًا تحتاج لإعادة النظر في التربية والتنشئة المنزلية والاجتماعية للأسر المصرية.

لكن هل في ظل تلك الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المخيفة والهدامة للبيوت المصرية يمكن طرح مشكلة مختلقة عن الزواج الثانى في ظل وجود أزمة حقيقية لدى كثير من الأسر في تدبير نفقات الوجبة الثانية في اليوم !؟

بالقطع، الجميع يدرك أن هذا ترف وحديث تافه مثير بعض الشيء ولكنه يظل عبثيًا! المصريون الآن، أو على الأقل الطبقة التي أنتمى إليها وتمثل أغلبية المصريين، يجدون صعوبة بالغة في توفير الحاجات الأساسية لهم من غذاء ودواء وسكن في ظل انخفاض مزرٍ للعملة المصرية حتى وإن هلل بعض المنافقين لانخفاض سعر صرف الدولار في الأيام القليلة المنقضية إلى ما يقترب من 18 جنيها مصريا! هل هذا انخفاض أم أكثر من ضعف السعر الرسمى الذي كان من ثلاثة أشهر تقريبًا قبل كارثة وبلاهة التعويم، ويمثل أيضًا تقريبًا ثلاثة أضعاف السعر الرسمى الحكومى في عام 2013 أي منذ ثلاث سنوات فقط !

هل يدعو ذلك للفخر والاحتفال عند الأفاقين الذين ادعوا بل تجاسروا وتجرءوا وقالوا إن مصر تجنى ثمار التعويم!في الواقع هذه كارثة اقتصادية وليست مدعاة للفخر والتغنى بإنجازات من وحى الخيال المريض.. هؤلاء ستجدهم من يتحدثون عن ترف الزواج الثانى ويقيمون حفلات صخب إعلامية تتناول القضية التافهة المختلقة، بينما الوطن يعانى ويحتاج لمن يرشد الحكومة ولو بالنقد اللاذع الذي لا مفر منه.. اللهم يسر لمصر أمرا رشدا.
fotuheng@gmail.com
الجريدة الرسمية