أموال نظام مبارك وأموال النشطاء
لم تكن الحكومات المتعاقبة بعد 25 يناير 2011 بحاجة إلى إثبات حسن نواياها تجاه نظام مبارك ورجاله، بعد وصول إجراءاتها في قضايا استرجاع أموال مهربة إلى لا شيء، ولم تكن بحاجة إلى إجراءات أسرع مما اتخذتها تجاه جمعيات ومؤسسات حقوقية وتنموية وقائمين عليها، في الداخل، وصلت حد التحفظ على حسابات والمنع من السفر، لتثبت للجميع بعد 30 يونيو جديتها في التعامل مع هذا الملف بالطريقة "المختلفة" التي تراها.
في القضية الأولى وعلى الرغم من التعاون "الضعيف" من قبل حكومات دول أوروبية مع مصر بشأن أموال وموجودات تخص مبارك ونظامه لديها، إلا أن المشهد العام يؤكد تراجع خطوات الجانب المصري، اللهم سوى جهود قضاة شباب بمكتب التعاون الدولي لدى النائب العام، تجاه إلزام الجانب السويسـري بالأخص بالتعـاون لأجل دعم حقوق مصر في التحفظ على أو تجميد أموال ببنوك ومؤسسات مصرفية لديها.
وعليها جاءت خطوة سويسرية بتجديد تجميد 529 مليون يورو بقرار ينتهى في فبراير المقبل، وحضور النائب العام السويسري، مايكل لوبير، إلى القاهرة السبت؛ لبحث التعاون القضائي وتطورات ملف الأموال المجمدة لرموز النظام الأسبق بالبنوك السويسرية، وإشارته إلى وصول المبالغ المجمدة عقب إجراءات "فك" لأرصدة 7 شخصيات، لنحو 400 مليون فرنك سويسري.
وفى الداخل، تميزت إجراءات الحكومات المصرية تجاه مخالفات مسئولين ورجال أعمال ينتمون لذات النظام وصلت حد "الجرائم"، بالمرونة التي بلغت صدور تشريعات وقرارات تقضي بالتصالح مع أغلبهم، دون عقوبة جنائية درءًا لشبهة ضرب فرص الاستثمار، ومنها ما أضر بفرص استعادة أموال طائلة خاصة في قضايا الأراضي.
ولسنا هنا بمحل تعليق على قرارات قضائية، ومنها ما يمس قرارات التحفظ على أموال رؤساء منظمات حقوقية في قضية محظور النشر عنها، تجنبًا للوقوع في خطأ قانوني أو التدخل في سير تحقيقات، لكننا نتحدث عن إرادة "سياسية" كنا نتمناها إيجابية تجاه التعامل مع ملف "المصالحات" كاملًا، طالما رأت الحكومات في أوضاع مؤسسات أهلية صمتت عن التعامل مع أخطاء لها تتحدث عنها الآن، لسنوات سبقت يناير، ورحبت بوجودها شاهدة على انتقال السلطة باستحقاقات انتخابية لخارطة الطريق بعد يونيو.
فالإرادة السياسية في الحالتين تبدو متقلبة المزاج، تعرقل فكرة التطور الطبيعي لمجتمع كانت عملية الوعي وليست "غسل الأدمغة"، وراء ما تقدمت به ثورتان خلدهما الدستور الحالي، ربما كانت الأمور متباينة في طبيعتها، بين أموال هربت أو نُهِبَت، وأموال دخلت لتسهم في بناء وتنمية مجتمع ودفاع عن حقوق أفراده على مرأى ومسمع من الحكومات، تضخمت مع تعاملات أخرى عليها مكاسبُ وثرواتُ البعض، لكنَّ لبسًا يصيب مع التعميم أفرادًا يملكون من المكانة ما يؤهلهم لصعود مادي واجتماعي حقيقي بعيدًا عن نشاطهم الطوعي، هؤلاء لا يستحقون إساءات تصل إلى حد التجريح والسخرية من ملاحقتهم، وتعديل تشريعات بعينها بغرض حصارهم وإصابتهم.
ثم إن ضرورة حتمية مع تقديم صورة مصرية جديدة للمستقبل يطلع معها الخارج على نموذج ديمقراطي، تؤكد صعوبة قبول أنظمة بالتزاماتها تجاه تعهداتها في اتفاقيات دولية بدعم استعادتنا أموالنا المنهوبة لدى بنوكها، بينما حالة حقوقية مثلت فرصة لإصلاح ما أفسده "نظام المهربين" الأسبق، لم تُكتب شهادة ميلادها حتى الآن، بل دونت معها سطور وصفحات عن مجدي مكين وقبله ريجيني، وبينهما شهداء جرائم الإرهاب في حادثي الكاتدرائية والهرم وغيرهما.
إن سياسات "الاسترجاع" التي تتبعها الحكومات "الشاطرة" تحتاج إلى إضافة سياسة "الاستبدال" في التعامل مع ملفات حساسة، لا أقل من وضوحها، ولو أن مناصرين للحقوق والحريات حلوا محل لصوص المال العام داخل السجون، ستكون اللقطة الأخيرة في مشاهد ما بعد 30 يونيو، نهاية مؤلمة لمستقبل لا يبدأ دون شركاء حقيقيين في بناء الفرد والمجتمـع وحمايتهما ومواجهـة الفساد التي يتحدث عنها النظــام.