إعلان أمريكاني
داخل محاكم مصر يمكن أن تصطدم بمخالفات لبعض محضرين بأيديهم إحياء حقك في التقاضي وانعقاد الخصومة أو إسقاطه، وصولًا إلى الحق في حكم قضائي صحيح.
النتائج كارثية بالفعل، خصوصًا في محاكم ذات طبيعة خاصة تسهل مع قوانينها القاصرة حماية حقوق المتقاضين بالأساس، وأولها محاكم الأسرة وقانون الأحوال الشخصية الملقب على ألسنة الرجال بقانون "صديقات الهانم"، فإجراءات التقاضي من خلاله، ومع بعض محضري محاكمه أسهل في إفقاد أطراف التقاضي حقوقهم.
ربما ردد منادون بأن المحضرين لهم من البدلات ما لا يكفي لإنجاز مهامهم، جنيهان عن الوصول بكل إعلان قضائي لأطراف التقاضي طبقًا للوائح منظومة أجور تحتاج إصلاحًا، لكن فسادًا تمكن من قطاع غير صغير بالجهاز الإداري للدولة يُخشى معه تساقط ذراته فوق ميزان العدالة.
بالأمس كنت في مقابلة مع رئيس محكمة أقدم له بلاغًا ضد "مُحضر" بقلم محضري الزيتون الشرعي، أضاع حقًا لي في انعقاد خصومة مع طرف تقاضي آخر أمام محكمة الأسرة بالهرم، بتدوينه بيانات غير حقيقية في 7 إعلانات بجلسات قضائية، زعم خلالها أن مسكني "مغلق"، حتى إن رئيس المحكمة ورئيس قلم المحضرين سقطا في نوبة ضحك حينما أبلغتهما بأن أحد أيام الإعلانات تلك يوافق عيد ميلادى.
السبيل لإفلات المخالفين من الشبهات غالبًا ما يكون عبر الإعلان بالطريقة الإدارية، إبلاغ مأمور القسم بغلق السكن وتسليمه إعلان الدعوى القضائية نيابة عن المعلن إليه، وربما تسليمه "العصمة" معه في قضايا الأحوال الشخصية بدلًا من الزوج، وهو ما يسميه محامون بـ"إعلان أمريكاني"، وغالبًا ما لا يوقع مأمور القسم باستلامه، وكثيرًا ما يحرره مُحضرون وهم على مكاتبهم.
بالطبع لم أشعر بأن عقوبة حقيقية ستطال مخالفًا، على أن إجراءات تالية يمكن معها استئناف حكم أو الطعن عليه لانعدام انعقاد الخصومة، تعني إعادتها أن المنظومة القضائية ستتحمل مجددًا أخطاءً لطرف أصيل بها، وربما أخطارًا أشدها اصطدامها بمنظومة الفتاوى حال لجوء ضحايا إجراءات تقاضٍ غير صحيحة أو عادلة إليها، خصوصًا في قضايا الأحوال الشخصية والإرث كمثال.
سيعود إلى المنصة في نفس القضية السكرتارية وأمناء السر والخبراء يكررون الإجراءات لإعادة نظرها، وتصرف الدولة أجورًا جديدة لكل هؤلاء من أموالنا، وتكتظ دواوين المحاكم ببشر يطلبون إعادة النظر في أحكام ربما تسبب فيها مُحضرون، يستطيعون بذات الإجراءات إضاعة حق أي مسئول وليس مواطنًا، ولا أعتقد أن هؤلاء يحفظون جميعًا اسم وزيرهم أو غيره حتى يخشى المخالفون منهم إضاعة حقه، فالاسم الرباعي مرفقًا بالعنوان، دون الرقم القومي والوظيفة واسم الأم، هو البيان الوحيد لصفة طرف التقاضي في الأحكام.
المحضرون يحمل الواحد منهم أكثر من 100 إعلان وإنذار قضائي يوميًا إلى عناوين مختلفة للمتقاضين دون وسيلة انتقال خاصة بجهة عملهم، لكن "المخالفين" منهم في منظومة تنكرها الأنظمة يتقاضون مئات الجنيهات يوميًا في صورة إكراميات و"خلافه".
عملهم يتجاوز 14 ساعة يوميًا، وطبقًا للمادة السابعة من قانون المرافعات «لا يجوز إجراء أي إعلان وتنفيذه قبل الساعة السابعة صباحًا ولا بعد الساعة الثامنة مساء ولا في أيام العطلة الرسمية إلا في حالات الضرورة وبإذن كتابي من قاضي الأمور الوقتية»، أي أن مهمتهم تستدعي تحسين أجورهم وظروف عملهم.
تقرير «مقياس الرشوة المصري» الصادر في ديسمبر عام 2015 عن المركز العربي للنزاهة والشفافية يقول إن موظفي النيابات والمحاكم «المحضرين» هم الأكثر فسادًا، وهناك مواطنون بسبب عدم إعلانهم والتلاعب في الإعلان بالقضايا، حُرموا من حقهم القانونى في المثول أمام المحكمة في الشق الموضوعي، وصدرت أحكام ضدهم.
إذا ضرب الفساد حصن الوطن الأخير، منظومة العدالة، وأحد أضلاعها المحضرين والسكرتارية وأمناء السر، فلا تسأل عن هجرة اليائسين البائسين بعيدًا عنه، ولو ألقوا بأنفسهم وذويهم في عرض البحر.