رئيس التحرير
عصام كامل

الوزير الذي لا يملك شيئًا


كتبت مقالاً عنيفًا أتناول فيه تقصير الوزير في وزارته، وفجر يوم النشر فوجئت بمكالمة أكثر عصبية من الوزير، وبعد أن صب جام غضبه على ما كتبت، دعانى إلى تناول فنجان قهوة بمكتبه، توجهت إليه بميدان العباسية، قال لى مدير مكتبه قبل أن يسمح لى بالدخول: إن حالة الوزير المزاجية سيئة جدا بسبب مقالى، وأنه استدعى معظم العاملين معه فجرا، وأنه مهتم جدا بكشف الحقائق التي غابت عنى عند تناولى لأداء الوزير.


كان الوزير هو الدكتور ممدوح البلتاجى، وكانت الوزارة التي يشغلها في ذلك الوقت هي وزارة السياحة، استقبلنى الرجل وفى يده سيجاره المفضل، كان عصبيا إلى أقصى درجة، ساد الصمت برهة حتى باغتنى بالسؤال: هل تعتقد أنى وزير سياحة؟ صمتّ ولم أرد.. قال بلهجة أقل حدة: هل تظن أنى وزير سياحة؟ قلت بالطبع يا سيادة الوزير فقبل أن أدخل إلى حضرتك قرأت لافتة على المبنى تقول مبنى وزارة السياحة، وعلى باب مكتبك لافتة تقول: مكتب الوزير!!

رد الرجل بهدوء: لست وزيرا للسياحة، ولا يوجد في مصر وزير للسياحة، وبدأ يشرح وجهة نظره بقوله: هل أنا مسئول عن نظافة الشوارع والقمامة التي تراها في كل مكان؟..هل أنا مسئول عن سائق تاكسى ينصب على السياح؟.. هل أنا مسئول عن فوضى الخراتية وغياب ضمائر بعض المرشدين؟.. هل أنا مسئول عن التلوث في سماء القاهرة؟.. هل أنا مسئول عن مواطن يتفحص بعينيه جسد سائحة لأنها ترتدى «شورت»؟.

لم يمنحنى فرصة للرد، وقال: هل أنا مسئول عن مذبحة الأقصر؟.. هل أنا مسئول عن طرق بالية وشوارع مظلمة؟ من أجل ذلك أقول لك إننى لست وزيرا من الأساس «أنا ولا حاجة» وعاد الصمت مرة أخرى ليكون سيد الموقف.

أدركت أن الراحل العظيم الدكتور ممدوح البلتاجى، قد استوعب حجم المأساة جيدا، للسياحة مسئولية اجتماعية وسياسية، ولابد أن تتضافر كل الجهود وتتعاون كل الوزارات حتى ينجح الوزير في عمله، ومن نفس المنطلق ورغم هجومى من قبل على وزير السياحة الحالى، يحيى راشد إلا أننى لازلت أردد ما فعله معى الدكتور ممدوح البلتاجى حتى لا يتصور البعض أن السياحة مسئولية راشد وحده.. إن المسئولية تمتد إلينا جميعا.

على سبيل المثال، أعلنت روسيا رفع الحظر، غير أنها ربطت ذلك بمسئولية كل سائح عن نفسه، فماذا يعنى ذلك؟ يعنى أن شركات التأمين لن تفك الحظر إلا إذا أعلنت الدولة الروسية أو أي دولة تعلن رفع الحظر، أن هذا الرفع على مسئولية الدولة.. وماذا يعنى ذلك؟.

يعنى أن الكرة أصبحت في ملعب وزير الخارجية الذي يجب أن يستخدم كل أدواتنا الدبلوماسية؛ لتفعيل حوار جدى ومهم من أجل الضغط لصالح رفع الحظر على مسئولية الدول.

أيضا أتصور أن تحرك مؤسسة الرئاسة بكثافة في الفترة القادمة سيكون له أثر كبير على عودة السياحة مرة أخرى، وانحسار الحصار المدهش على هذا القطاع المهم، وأظن أن مؤسسات أخرى في المجتمع المدنى عليها أن تتحرك، أحزاب تخاطب أحزابا في الخارج، مجلس النواب يناقش برلمانات الدول التي لم ترفع الحظر، وهكذا نستطيع أن نحرك المياه الراكدة، بعد أن وصلت أحوال القطاع السياحى إلى مرحلة الانهيار الكامل.
الجريدة الرسمية