بيريز.. بطل صنعته الخيانة العربية
اختصمتني الأحداث اليومية المتتالية؛ لتطرح عنى الملف الذي أتابعه أسبوعيا، حول مستعمرات الشربتلي في مصر، وتفرض على قلمي أن يصبح أحد أكثر أعدائنا قسوة موضوع مقالى اليوم.. إنه القاتل العنيد والمجرم الذي لا يضاهيه مجرم في مذابحه.. إنه رئيس دولة الكيان المحتل شيمون بيريز.
بعيدا عن طنين النحل على شبكات التواصل الاجتماعى، وبعيدا عن هذا السجال الساذج حول عزاء سامح شكرى وزير خارجية مصر، في تشييع جنازة شيمون بيريز، وبعيدا عن ظهور الرئيس الفلسطينى متأثرا برحيله، وبعيدا عن فكرة الانتهازية السياسية لتيارات الإسلام السياسي، فإننا أمام شخصية فولاذية قدمت لما اعتقدت أنه وطنها ما لم يقدمه حاكم عربى في وطننا مترامى الأطراف.
شيمون بيريز المنتمى إلى أسرة ميسورة الحال، انتقل مع أبويه إلى أرض قرر العالم أن تكون وطنا لليهود، ومع ظهور علامات الرجولة على بدنه، وضع نفسه رهن قضيته وقضية يهود العالم، وقرر الانضواء تحت كل ما سيؤدى إلى قيام وطن لليهود على أرض فلسطين، وفى الوقت الذي باع فيه العرب أنفسهم لكل تجارة رخيصة، باع هو نفسه لوطن يبنيه على أرض غيره، وفى الوقت الذي انكسر فيه أصحاب الحق انتصر فيه شيمون بيريز ورفاقه بباطل تحميه إرادة.
من حقنا أن نصفه بـ«الجزار»، ومن حقنا أن ننعته بكل ما هو غير إنسانى.. «مرتكب المذابح» و«محترف القتل»، والمتورط في جرائم ضد الإنسانية.. ولكن السؤال الأهم: ألم يكن بيننا رجل جزار قادر على قتله وذبحه، بطل نحادث به أجيالنا المتتالية، بيريز ضحى بحياة مترفة كان من الممكن أن يحياها في وطنه الأصلى بولندا، وكان من الممكن أن يظل هناك حيث الأمن والأمان ورغد العيش والهدوء والاستقرار، إلا أنه ترك كل ذلك وضحى به من أجل هدف يؤمن به، وقد حقق هدفه، وابتنى دولة على أراضينا.
كنا مشغولين بحياكة المؤامرات وممارسة الخيانة والغدر، وكان هو مشغولا بنقل يهود العالم إلى أرضنا، كنا منهمكين في معارك على شرف لم ننله ولم نقاتل من أجله، وكان هو ورفاقه يقاتلون من أجل بناء باطل اعتلى وأصبح بحكم القوة حقا، وكنا مشغولين بإضاعة حق أصبح بحكم الوهن باطلا، كان هو قاتلا وكنا نحن مقتولين، كان ذابحا وكنا نحن مذبوحين.. أغنياؤنا هربوا بأموالهم وأولادهم إلى مستقر بعيد عن الوطن، وهو هاجر ومعه شعب مبعثر اجتمع ليبقى جاثما فوق صدورنا إلى اليوم.
وعلى نفس النهج عاش بيريز متنقلا من قاتل إلى مجرم إلى فاشي، وحتى رئيس دولة، بينما عاش قادتنا فاشيين علينا، وليس عليهم، ينتمى بيريز إلى جيل القتلة من أجل بناء وطن، بينما ينتمى قادتنا إلى طريقة سحق الشعوب وقتالها وذبحها إن لزم الأمر، مقابل السلطان.. هو باع الحياة المستقرة من أجل وطن صناعة صهيونية، وقادتنا باعوا فلسطين مقابل الكراسى المستقرة.
يموت الفلسطينيون مغتربين، مشردين، مبعثرين، وبيريز يموت على أحد أسرتنا، بين جدراننا، ويدفن في ثرانا، الأرض التي لفظتنا احتضنته، الأرض التي تخلينا عنها عانقته، الأرض التي بعناها اشترته، الأرض التي تاجرنا بها تاجرت معه، هذا هو بيريز بعيدا عن سطحية وسذاجة التعاطى الإعلامي العربى مع جنازته، وهذا هو بيريز الذي يجب أن يعرفه أطفالنا، قاتل صنع وطنا، أما قادتنا فإنهم خونة باعوا وطنا!!