أخيرا.. قطار صناعة مصرية
مصر تستطيع أن «تقوم»، وبسهولة.. ليس لديها فقر إلا في إرادتها، وإرادتها فقط.. الصورة ليست قاتمة إلى أبعد حد.. فيها نقطة ضوء توحى للمخلصين أنها قادرة، وكل مكونات القدرة موجودة، ليست مستحيلة.. فقط تنقصنا إرادة حقيقية تبنى دون «طنطنة».. تتحدى الواقع بواقع جديد..تختار الصمت والبناء والعمل الجاد طريقا.. طريقا ليس بوصلته الأغانى والرقص والعزف على أوتار الغلابة.
أقول ذلك بمناسبة ما عرضه علينا السيد «أولديس أوجوليس» وزير النقل بدولة لاتفيا.. كنا مجموعة من الصحفيين والإعلاميين على عشاء بأحد فنادق القاهرة، عندما عرض علينا مشروعا علميا وتكنولوجيا ضخما.. لاتفيا متقدمة جدا في صناعة السكك الحديدية.. على استعداد أن تقدم لمصر تكنولوجيا هذه الصناعة لنصبح صناع أفريقيا والشرق الأوسط، في هذا المجال، ونرى خلال سنوات قليلة عبارة «صنع في مصر» على قطارات مصر وأفريقيا والشرق الأوسط.
القصة باختصار، أن السيد دينيس رصدبيكوف، ممثلا عن شركة «آر في آر» المتخصصة في صناعة القطارات والتي صنعت أكثر من ٢٠ ألف عربة قطار تسير في كل أنحاء روسيا، يرى أن مصر لديها قلعة صناعية مهمة في هذا المجال، وأن صناعة قطار مصرى بتكنولوجيا من لاتفيا أمر متاح وكل ما ينقصها عدة ماكينات بسيطة.. يبدأ المشروع اللاتفى بعرض قدمته سفيرة لاتفيا النشطة السيدة «إيفيتا سولاكا».. طرقت به أبواب كل المسئولين في مصر.
المشروع المصرى اللاتفى الجديد يضم إليه عددا كبيرا من مصانع مصر في مجالات مختلفة؛ كصناعات مغذية للمشروع، تستطيع من خلاله أن تنتج قطارا مصريا في سنوات قليلة، بخبرة لاتفية، بحيث تصبح الصناعة مصرية ١٠٠٪ خلال فترة المشروع.. الوزير اللاتيفى أكد أن بمصر مصانع مهمة تملكها وزارة الإنتاج الحربى، وفى لاتفيا خبرة سنوات طويلة لصناعة قطار بمواصفات أوروبية، والمشروع برمته قُدم لكثير من صناع القرار المصرى.
ثلاث سنوات بين دهاليز الحكومة المصرية، قضتها سفيرة لاتفيا؛ تطرق الأبواب وتتحدث عن مشكلة مصر الاقتصادية، والتي تتشابه إلى حد التطابق مع ما عانته لاتفيا في بداية استقلالها عام ١٩٩١م.. لاتفيا أمعنت النظر فيما تملك من قدرات حتى نهضت.. السفيرة ترى أن الحلول المصرية النابعة من إرادة مصرية قادرة على الخروج من عنق الزجاجة، ونقل صناعة ضخمة مثل صناعة السكك الحديدية، أمرٌ ميسور ومتاح، ونقلة نوعية مهمة لمصر في محيطها العربى والأفريقي.
ما هي المشكلة إذن؟.. المشكلة خلال الفترة الماضية هي تغير الوزراء المتتالي، والذي أعاق مناقشة المشروع بما يليق به.. والآن ما هي المشكلة؟.. المشكلة التي لم تذكرها السفيرة ونعرفها نحن، أن في مصر مافيا للقروض.. مافيا لا تريد صناعات.. تجرى فقط وراء القروض، لأنها تحصل على نسب من هذه القروض، ولاتفيا تصر على نقل التكنولوجيا لتحقق هدفين، أولهما: النفاذ من خلال مصر لسوق كبير، وثانيهما: أن تستفيد مصر بتوطين تكنولوجيا ضخمة لديها، وكلا الأمرين لا مكاسب لمافيا القروض فيهما.
المافيا تتحرك في اتجاه آخر.. اتجاه استيراد ٧٠٠ عربة قطار من المجر بنظام القروض.. المجر ستورد ٧٠٠ عربة درجة ثالثة، بقرض تتورط فيه الأجيال القادمة.. لاتفيا تنقل صناعة ضخمة إليك لصناعة قطارات درجة أولى مكيفة، وفق المقاييس الأوروبية.. الفارق هو أن رجلا غامضا يدير صفقة المجر.. نعم هناك «مستر إكس» لا يعرفه أحد.. لا الأجهزة ولا الدولة، غير أنه يبدو ذا قدرة خطيرة تجعله يوقف الصناعة مقابل القروض.