رئيس التحرير
عصام كامل

المصريون فى العراق .. مأساة خلقتها الحروب وبطاقة الرقم القومى.. 70 ألف مصرى يعيشون معاناة يومية فى بغداد.. والسفارة ترفض تجديد جوازات السفر.. ويطالبون بتدخل "مرسى" لإنقاذهم

الرئيس محمد مرسي
الرئيس محمد مرسي

بعد أن كان العراق المهجر المفضل لملايين المصريين فى الثمانينات، تراجعت الأعداد إلى آلاف من أبناء وادى النيل الذين تأقلموا مع الحياة على ضفاف نهرى دجلة والفرات وعايشوا الحروب والحصار والفتن الطائفية، واندمجوا مع إخوانهم العراقيين، ولكنهم لم ينسوا أبدا وطنهم رغم أنهم يشكون جفاء هذا الوطن.


لا توجد إحصاءات دقيقة عن أعداد المصريين بالعراق حاليا، ولكن البعض يتحدث عن 70 ألفا، فى حين يشكك آخرون فى هذا الرقم ويرونه أقل.

تعايش المصريون فى العراق بطريقة يندر أن تحدث فى دولة أخرى، تزوجوا من عراقيات، وأجادوا اللهجة العراقية، بل واتقنوا صناعة خبز الصمون العراقى الشهير، ولكنهم معتزون بهويتهم أشد اعتزاز رغم أن أكبر مشكلاتهم هما رمزا هذه الهوية "جواز السفر" و"بطاقة الرقم القومى".

كيف استخرج بطاقة الرقم القومى، وأنا لا استطيع السفر إلى مصر لأن جواز سفرى منتهى؟" كانت هذه إجابة إبراهيم يوسف محمد من المحلة الكبرى المقيم فى العراق منذ سنوات طويلة وعن الأسباب التى تحول بينه وبين استخراج جواز سفر جديد، وهى إجابة رددها كثير من المصريين الذين قابلهم موفد وكالة أنباء الشرق الأوسط إلى بغداد خلال الفترة من 18 إلى 25 من مارس 2013 .

محمد الذى يعمل فى مطعم بأحد شوارع بغداد روى مأساته، فقد انقطعت به السبل فى العراق بسبب الحروب والحصار، وانقطعت علاقته بمصر بعد وفاة والديه، وفسخ خطوبته.

حياته فى العراق أصبحت مريرة بسبب عدم وجود أى مستندات سارية تثبت هويته، قائلا "أريد أن أجدد جوازى، والسفارة تطالبنى بالرقم القومى، وأن أجلب شهاد ميلاد جديدة وبها الرقم القومى.

وتساءل كيف أذهب إلى مصر لاستخراج الرقم القومى، وأنا جوازى منتهى"، مطالبا بأن تأتى للعراق لجان من مصر لاستخراج الرقم القومى.

ويكشف لنا أن هناك مواطنا مصريا قابع فى المستشفى فى ظروف سيئة، وهو متزوج من عراقية ولديه ستة أبناء، وليس لديه سوى وثيقة سفر(وثيقة مؤقتة أقل من جواز السفر) وهو يريد أن يستخرج جوازا مصريا، وقد أدى الخدمة العسكرية.

المشكلة ذاتها تواجه عادل إبراهيم الدسوقى من محافظة دمياط والمقيم فى العراق منذ عام 1981، إذ يقول" جواز سفرى انتهى، وقامت السفارة بتمديده لمدة عام واحد فقط (ولمرة واحدة)، وعلى أساس هذا التمديد أعطتنى السلطات العراقية إقامة لمدة ثلاثة أشهر فقط.

عادل يقول إن "معى كل مستندات إثبات الشخصية، وعندما أذهب للسفارة لاستخراج جواز سفر جديد، يرفضون ويطلبون بطاقة الرقم القومى، فكيف أتى بها وأنا لا ستطيع السفر إلى مصر".

ويضيف " نتعرض للتفتيش أحيانا، ولقد جاءتنى السلطات من قبل، ولكنهم علموا أننى مقيم فى العراق منذ فترة، وتدخل معارفنا من العراقيين لمنع القبض علينا.

وكشف لنا عادل الذى يعمل خبازا فى فرن لصنع خبز الصمون العراقى إنه لم يخرج من حى العلاوية ببغداد منذ نحو ثلاث سنوات بسبب عدم توافر مستندات هوية حديثة معه، وأقام خلال هذه الفترة بشكل شبه دائم فى الفرن الذى يعمل فيه بسبب انتهاء جواز سفره.

أما عبد العال على سلمان من قرية العوانة مركز ساحل سليم محافظة أسيوط فمشكلته أكبر لأنه جوار سفره ضائع وليس منتهيا فقط، كما أن طبيعة عمله تجعله أحيانا يضطر للسفر من بحيرة الثرثار فى شمال العراق (بين تكريت وسامراء) وبين العاصمة بغداد.

وأوضح عبد العال الذى تختلط لديه اللهجة العراقية المكتسبة بلهجته الصعيدية الأصيلة إنه مقيم فى العراق منذ عام 1988، وجواز سفره المصرى قد فقد، ولكن معه وثيقة سفر مصرية، ولكن ليس لديه إقامة عراقية، وهو معرض لخطر التسفير، حيث يعبر أكثر من 18 نقطة أمنية فى الطريق من عمله فى تكريت إلى بغداد.

وقال إنه ذهب للسفارة المصرية بالعراق، لاستخراج الجواز، وقدم ملفا بمستنداته، ولكنه ضاع ولديه رقمه، مضيفا "أنهم يطلبون منى بطاقة الرقم القومى وشهادة ميلاد، ويتساءل كيف يأتى بها وهو لا يستطيع السفر إلى مصر، وأمه سيدة مسنة، وهو وحيد ليس له أخوة".

وكشف عن أن هناك نحو 700 مصرى يعملون فى الصيد فى بحيرة ثرثار فى الشمال بين مدينتى تكريت وسامراء، ولا يحملون وثائق وهى منطقة بها مشاكل أمنية ويتعرضون لمداهمات وغارات بالطائرات ويقول لقد "سبق أن تم احتجازنا فى إطار هذه الحملات".

وأضاف أنه منذ عدة أيام شهدت البحيرة مداهمات، وحملات جوية بالطيران، موضحا أن الصيد فى هذه البحيرة شرعى، ولكن السلطات تقول إن هناك إرهابيين مختبؤون فى البحيرة، ويجب القيام بهذه الحملات.

ويطالب بأن تأتى لجنة من مصر لاستخراج بطاقات الرقم القومى مثلما حدث للمصريين فى السعودية والأردن، مشيرا إلى أن البعض يقول إن اللجنة لا تأتى إلى العراق لأسباب أمنية رغم أنها يمكن أن تأتى وتعمل فى السفارة المصرية بالعراق التى توجد داخل المنطقة الخضراء.

ويشيد عبد العال على سلمان بشكل خاص بالقائم بالأعمال المصرى فى العراق الراحل السفير إيهاب الشريف الذى تم اغتياله عام 2005 ، وقال إنه كان خدوما، وأخرج كثير من المصريين من السجون، وكان قويا فى اتصالاته مع السلطات العراقية، ويقابل المصريين بشكل جيد للغاية ويدعمهم.
أما (منصور م . د) فهو يعيش فى مأساة حقيقة وفقا لروايته، فهو مقيم بالعراق منذ عام 1985 ويمتلك محل تصوير فى الناصرية بجنوب البلاد، ومتزوج من عراقية ولديه ابنة (17 عاما)، وابن (11 عاما).

مأساته بدأت بعد سقوط النظام السابق حيث يقول " لقد اعتبر بعض شيعة الجنوب العراقى أن العرب الموجودين بمناطقهم تابعين لصدام حسين فتعرضت للخطف مرتين من قبل ميليشيات أحزاب طائفية ولكن المشكلة تفاقمت بعد وفاة والد زوجتى عام 2007 .

ويروى منصور، الذى يخشى كشف اسمه كاملا، مأساته قائلا" عقب وفاة والد زوجتى أخذ أخو زوجتى الأكبر أطفالى وزوجتى، وهددنى بالقتل لو لم أطلقها بدعوى أننى عار على العشيرة لأننى سنى ".

ويقول إنه "منذ عام 2007 طرقت باب كل الدوائر المعنية، بالعراق سواء الحكومية أو مراكز حقوق الإنسان والعشائر، والسفارة المصرية لإعادة زوجتى.

ويشير إلى أن السفارة أخبرته أنه تم الاتصال بوزارة الخارجية العراقية، ولكن مشكلة تتعلق بالقوانين الداخلية.

ويقول منصور "إن زوجتى تقول إنها لا تريد الطلاق، ولكن أخوها أجبرها على الذهاب للمحكمة لطلب الطلاق، والمحكمة قضت بأنه لا يوجد سبب شرعى للطلاق".

وكشف عن أنه حتى لا يستطيع العودة لمصر لزيارة أهله إلا بعد موافقه زوجته رغم أن لديه جوار سفر مصرى سارٍ، لأن الإقامة العراقية تلزمه بالحصول على موافقة الزوجة قبل السفر.

من جانبه، قال السفير على العشيرى، مساعد وزير الخارجية للشئون القنصلية والمصريين فى الخارج، إننا ننسق مع مصلحة الأحوال المدنية التابعة لوزارة الداخلية لترتيب إرسال لجنة إلى العراق لاستخراج بطاقات الرقم القومى التى تعد أهم عائق أمام المصريين فى الخارج لاستخراج جواز سفر جديد.

وأضاف العشرى - فى تعليقه على مشكلات المصريين فى العراق بعد أن عرضتها وكالة أنباء الشرق الأوسط عليه - أن المسألة تتعلق باختيار الوقت المناسب، موضحا أنه يتم أيضا التنسيق مع السفير المصرى فى هذا الشأن، والاتصالات مستمرة لتحديد الموعد.

وطالب المواطنين المصريين فى العراق وفى الخارج بصفة عامة بمراجعة مصلحة الأحوال المدنية من خلال موقعها الإلكترونى والسفارة المصرية ببغداد والقنصليات المصرية لمعرفة المستندات المطلوبة، ولترقب موعد سفر اللجنة.
الجريدة الرسمية