لغز الشربتلى
ما إن نشرنا مقالنا السابق حول مستعمرة الشربتلى في
مدينة نصر، وقرار السعودى فرض الدولار كعملة تعامل بينه وبين مستأجرى محاله الـ ٥٥٠، ومخالفة قانون البنك المركزى الذي يفرض على الجميع التعامل بالعملة الوطنية الجنيه المصرى، حتى لا يتحول الدولار إلى سلعة كما هو حالنا اليوم، إلا وقد تباينت ردود الأفعال حول تناولنا لهذه القضية الخطيرة التي تصب في النهاية في خانة السيادة والأخطار التي تحيق بالاقتصاد المصرى من جراء تلك الكارثة.
دق جرس الهاتف.. كان المتصل عصبيا، غاضبا، فوضويا، صب جام غضبه علينا قبل أن نتبين صوته، عندما بادرنى قائلا:
أتريدنى أن أقبض على مستثمر أجنبي؟.. لم يسمح لى بالرد من فرط اندفاعه اللفظى.. صمتُ وظل هو يتحدث فيما يعانيه الاقتصاد المصرى من ويلات، وكيف لكاتب مرموق- هكذا وصفنى زاد الله من أمثاله- أن يطالب بالقبض على المستثمر السعودى، لأنه فرض الدولار عملة للتعامل بينه وبين مستأجرى وحداته التجارية بمول سيتى ستارز بمدينة نصر.
كان المتصل واحدا من كبار المسئولين.. بداية لم ينكر الرجل واقعة إجبار المستثمر السعودى للمستأجرين أن يدفعوا لسيادته بالدولار.. والمثير أيضا أنه لم ير في ذلك غضاضة.. قاطعته عندما حانت الفرصة: “لم أطالب بالقبض على المستثمرين، وإنما طالبت بالقبض على المتلاعبين في السوق السوداء للدولار، والمستثمر واحد من هؤلاء حيث يجمع سنويا ما لا يقل عن ١١٦ مليون دولار في إحدى الروايات أو ٣٠٠ مليون دولار في رواية أخرى.
أضفت: المستثمر يفرض عملة غير عملتنا الوطنية، وهو ما يخالف قانون البنك المركزى صراحة، أضف إلى ذلك أن مسئولى البنك أنفسهم يصرخون ضد تحول الدولار إلى سلعة.. الرئيس عبدالفتاح السيسي نفسه أشار أكثر من مرة إلى خطر ظاهرة تحول الدولار إلى سلعة ونبه وحذر من تنامى ظاهرة الاتجار في الدولار، واعتباره سلعة وبالتالى يصبح الشربتلى واحدا من هؤلاء الذين يسهمون في تحويل الدولار إلى سلعة.
لم يكن المسئول الكبير على استعداد إلا ليسمع نفسه.. قال أرقاما كثيرة وردد عمليات حسابية أكثر غير أنه ظل يحوم حول اسم المستثمر السعودى بشيء من الخوف والرهبة وكثير من الحذر غير المبرر، وفى النهاية قلت له: لا تقنعنى بأن مخالفة القانون أمر هين، خاصة فيما يرتبط بأمور اقتصادية لا يمكن السكوت عليها.. فإن كان المستثمر السعودى صاحب حق فيما يفعل فأعلنوا أن الاتجار في العملة على هذا النحو أمر مقبول للجميع وليس للمستثمر السعودى فقط.
بعد قرابة الثلاثين دقيقة انخفض صوت الرجل دون الاعتراف بما يجب عليه أن يفعله ضد كل من تسول له نفسه المساس بقضية أمن قومى، ترتبط بإهانة العملة الوطنية، واستخدام عملة أجنبية في التعاملات على أرض مصر..
ومن جانبى أعلنت له صراحة أننى لن أتوقف عن الكتابة في هذا الأمر مهما كان سند المستثمر السعودى دبلوماسيا أو سياسيا أو حتى اقتصاديا، فقديما قالوا «تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها».
أغلقت الهاتف وعدت لأوراقى القديمة أقلب صفحاتها لعلى أجد تفسيرا مقبولا ومنطقيا لقصة الهوان والمحسوبية في بلادنا، فوجدتها تعود إلى عصر المماليك عندما كان السلطان يغلق أبواب المدينة مساء، حيث لا يسمح إلا بدخول تجار الكوسة لأنها ثمرة تفسد بسرعة.. كانت الأبواب تفتح لكل من يقول “آه هي كوسة”، ومنذ ذلك التاريخ وأصبحت الكوسة مفتاح الدخول وكلمة السر لفتح الأبواب المغلقة.
إذا كان باب القانون مغلقا بالضبة والمفتاح أمام فرض عملة أجنبية للتعامل في السوق المصرى، فإن الباب يفتح لأن قانون الكوسة أقدم عمرا وأعمق أثرا ولا تزال دوائر السلطان تعمل وفق بنوده ولا عزاء لنا في قانون البنك المركزى، وإذا كان خبراء البنوك ورؤساؤها يرون أن ما يفعله المستثمر السعودى يقع تحت طائلة القانون فإن مسئولين كبارا يخلطون بين المستثمر السعودى وبين ما تحظى به المملكة من عواطف جياشة ترتبط بتاريخ طويل من عمق العلاقات..
يحلو للبعض أن يربط بين الشربتلى والمملكة ككيان وبين الشربتلى والأسرة الحاكمة هناك، وهو أمر غير موجود بالمرة مهما حاول البعض الربط بين ما يحظى به من مظلة دبلوماسية وبين الموقف الرسمى وهو أمر أيضا بعيد كل البعد عن الحقيقة.
نترك أبواب المماليك القديمة تفتحها الكوسة، وأعود بكم إلى أرض سيناء الغالية حيث مستعمرة أخرى للشربتلى تصل مساحتها إلى سبعة ملايين ونصف المليون متر، والتي حفر فيها أكبر بحيرة صناعية في العالم وجلس حولها وفق أجندته المعروفة في فنون التسقيع ورغم أنه اختار أرض مشروعه في قلب الصحراء وشق البحيرة إلا أن عقله التسقيعى هداه إلى فكرة جهنمية ليعلل بها مماطلته في تنفيذ بقية بنود المشروع.
طلب الشربتلى منفذا على البحر لمشروعه وافتكس فكرة أن يطلب مستحيلا ليتأخر صانع القرار المصرى في تنفيذ طلباته، فيتحقق له المراد من افتكاسات العباد.. طلب جزءا من محمية نبق.. نعم تجرأ وطلب جزءا من محمية طبيعية، ولم لا.. وأبواب المماليك لا تزال محكومة بقانون الكوسة.. المثير أن المحافظ وافق.. والبيئة وافقت واعترض العاملون بالمحمية وأعلنوا العصيان مهما كان الثمن.
في العدد القادم سنحكى التفاصيل مشفوعة بكل ما لدينا من معلومات وآهات يرددها العاملون بالمحمية، وقصة وزارة البيئة التي دخلت إلى منطقة المحظور لأن تجار الكوسة فيها بلغوا ما لم يبلغه قبلهم مماليك آخرون!!
دق جرس الهاتف.. كان المتصل عصبيا، غاضبا، فوضويا، صب جام غضبه علينا قبل أن نتبين صوته، عندما بادرنى قائلا:
أتريدنى أن أقبض على مستثمر أجنبي؟.. لم يسمح لى بالرد من فرط اندفاعه اللفظى.. صمتُ وظل هو يتحدث فيما يعانيه الاقتصاد المصرى من ويلات، وكيف لكاتب مرموق- هكذا وصفنى زاد الله من أمثاله- أن يطالب بالقبض على المستثمر السعودى، لأنه فرض الدولار عملة للتعامل بينه وبين مستأجرى وحداته التجارية بمول سيتى ستارز بمدينة نصر.
كان المتصل واحدا من كبار المسئولين.. بداية لم ينكر الرجل واقعة إجبار المستثمر السعودى للمستأجرين أن يدفعوا لسيادته بالدولار.. والمثير أيضا أنه لم ير في ذلك غضاضة.. قاطعته عندما حانت الفرصة: “لم أطالب بالقبض على المستثمرين، وإنما طالبت بالقبض على المتلاعبين في السوق السوداء للدولار، والمستثمر واحد من هؤلاء حيث يجمع سنويا ما لا يقل عن ١١٦ مليون دولار في إحدى الروايات أو ٣٠٠ مليون دولار في رواية أخرى.
أضفت: المستثمر يفرض عملة غير عملتنا الوطنية، وهو ما يخالف قانون البنك المركزى صراحة، أضف إلى ذلك أن مسئولى البنك أنفسهم يصرخون ضد تحول الدولار إلى سلعة.. الرئيس عبدالفتاح السيسي نفسه أشار أكثر من مرة إلى خطر ظاهرة تحول الدولار إلى سلعة ونبه وحذر من تنامى ظاهرة الاتجار في الدولار، واعتباره سلعة وبالتالى يصبح الشربتلى واحدا من هؤلاء الذين يسهمون في تحويل الدولار إلى سلعة.
لم يكن المسئول الكبير على استعداد إلا ليسمع نفسه.. قال أرقاما كثيرة وردد عمليات حسابية أكثر غير أنه ظل يحوم حول اسم المستثمر السعودى بشيء من الخوف والرهبة وكثير من الحذر غير المبرر، وفى النهاية قلت له: لا تقنعنى بأن مخالفة القانون أمر هين، خاصة فيما يرتبط بأمور اقتصادية لا يمكن السكوت عليها.. فإن كان المستثمر السعودى صاحب حق فيما يفعل فأعلنوا أن الاتجار في العملة على هذا النحو أمر مقبول للجميع وليس للمستثمر السعودى فقط.
بعد قرابة الثلاثين دقيقة انخفض صوت الرجل دون الاعتراف بما يجب عليه أن يفعله ضد كل من تسول له نفسه المساس بقضية أمن قومى، ترتبط بإهانة العملة الوطنية، واستخدام عملة أجنبية في التعاملات على أرض مصر..
ومن جانبى أعلنت له صراحة أننى لن أتوقف عن الكتابة في هذا الأمر مهما كان سند المستثمر السعودى دبلوماسيا أو سياسيا أو حتى اقتصاديا، فقديما قالوا «تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها».
أغلقت الهاتف وعدت لأوراقى القديمة أقلب صفحاتها لعلى أجد تفسيرا مقبولا ومنطقيا لقصة الهوان والمحسوبية في بلادنا، فوجدتها تعود إلى عصر المماليك عندما كان السلطان يغلق أبواب المدينة مساء، حيث لا يسمح إلا بدخول تجار الكوسة لأنها ثمرة تفسد بسرعة.. كانت الأبواب تفتح لكل من يقول “آه هي كوسة”، ومنذ ذلك التاريخ وأصبحت الكوسة مفتاح الدخول وكلمة السر لفتح الأبواب المغلقة.
إذا كان باب القانون مغلقا بالضبة والمفتاح أمام فرض عملة أجنبية للتعامل في السوق المصرى، فإن الباب يفتح لأن قانون الكوسة أقدم عمرا وأعمق أثرا ولا تزال دوائر السلطان تعمل وفق بنوده ولا عزاء لنا في قانون البنك المركزى، وإذا كان خبراء البنوك ورؤساؤها يرون أن ما يفعله المستثمر السعودى يقع تحت طائلة القانون فإن مسئولين كبارا يخلطون بين المستثمر السعودى وبين ما تحظى به المملكة من عواطف جياشة ترتبط بتاريخ طويل من عمق العلاقات..
يحلو للبعض أن يربط بين الشربتلى والمملكة ككيان وبين الشربتلى والأسرة الحاكمة هناك، وهو أمر غير موجود بالمرة مهما حاول البعض الربط بين ما يحظى به من مظلة دبلوماسية وبين الموقف الرسمى وهو أمر أيضا بعيد كل البعد عن الحقيقة.
نترك أبواب المماليك القديمة تفتحها الكوسة، وأعود بكم إلى أرض سيناء الغالية حيث مستعمرة أخرى للشربتلى تصل مساحتها إلى سبعة ملايين ونصف المليون متر، والتي حفر فيها أكبر بحيرة صناعية في العالم وجلس حولها وفق أجندته المعروفة في فنون التسقيع ورغم أنه اختار أرض مشروعه في قلب الصحراء وشق البحيرة إلا أن عقله التسقيعى هداه إلى فكرة جهنمية ليعلل بها مماطلته في تنفيذ بقية بنود المشروع.
طلب الشربتلى منفذا على البحر لمشروعه وافتكس فكرة أن يطلب مستحيلا ليتأخر صانع القرار المصرى في تنفيذ طلباته، فيتحقق له المراد من افتكاسات العباد.. طلب جزءا من محمية نبق.. نعم تجرأ وطلب جزءا من محمية طبيعية، ولم لا.. وأبواب المماليك لا تزال محكومة بقانون الكوسة.. المثير أن المحافظ وافق.. والبيئة وافقت واعترض العاملون بالمحمية وأعلنوا العصيان مهما كان الثمن.
في العدد القادم سنحكى التفاصيل مشفوعة بكل ما لدينا من معلومات وآهات يرددها العاملون بالمحمية، وقصة وزارة البيئة التي دخلت إلى منطقة المحظور لأن تجار الكوسة فيها بلغوا ما لم يبلغه قبلهم مماليك آخرون!!