القمح.. «دراع مصر المكسور».. موسكو تكرر سيناريو أمريكا في الستينيات وتحظر الصادرات المصرية بسبب «الإرجوت».. «ناصر» لـ «واشنطون»: «اللي مش عاجبه يشرب من الب
«كانت اتفاقية مشتريات مصر من القمح الأمريكي بتسهيلات بينها السداد بالجنيه المصري وعلى اقساط قد انتهت وحان وقت تجديدها باتفاقية تحل محلها وبدأت مصر في فتح باب التفاوض»
ذلك ما كتبه الراحل محمد حسنين هيكل في كتابه «الانفجار 67» والذي يحكي فيه عن أزمة استيراد القمح التي تفاقمت سنة 1965 ضمن تدهور العلاقات المصرية الأمريكية.
ويروي «هيكل» كيف تم الضغط على مصر من خلال سياسة التجويع إذ إن منع التصدير إلى القاهرة في ذلك الوقت يعني أن هناك تجويعا للشعب المصري، وهو ما دفع عبدالناصر إلى الوقوف في أحد المؤتمرات العامة ليقول: «إننا لن نقبل ضغطًا من أحد، إننى أقول هذا الكلام بمناسبة بالأمس حين ذهب السفير الأمريكي إلى مقابلة نائب رئيس الوزراء وكان المفروض أن يتكلموا عن التموين، المواد التموينية التي نجيء بها من أمريكا حسب قانون الحاصلات وقال له السفير: «والله انا لا أقدر أن أتكلم الآن في الموضوع..ليه؟ لأن سلوكنا نحن هنا في مصر لا يعجبهم أنا أقول إن الذي لا يعجبه يشرب من البحر والذي يكفيه البحر الأبيض يأخذ البحر الأحمر يشربه كمان نحن لا نبيع استقلالنا من أجل 30 مليون جنيه»
اقرأ..«فيتو» تكشف في عددها الجديد مؤامرة قمح الإرجوت
اشتدت تلك الأزمة واستمرت الوساطات خلال شهور في محاولة لتحسين العلاقات بين البلدين حتى قرر «عبدالناصر» اللجوء إلى الاتحاد السوفيتي الذي كان يحكمه «بريجنيف» في ذلك الوقت، ورغم أن الاتحاد السوفيتي لم يكن لديه فائض إلى أنها وافقت كنوع من حماية أهم حلفائها في منطقة الشرق الأوسط.
ويورد هيكل الرسالة التي أرسلها عبدالناصر والتي قال فيها: «إنني أعرف مشكلات الزراعة عندكم، وأعرف أنكم تستوردون القمح ولكن ما نريده الآن جزء بسيط مما قمتم باستيراده ولكنه بالنسبة لنا كبير في قيمته نظرا لعنصر الوقت ولإحباط المؤامرات، أنتم تعرفون أن القمح وسيلتهم الوحيدة لتكون لهم في القاهرة كلمة فإذا توقفوا تماما فقدوا ما لديهم من لغة الحوار معنا، إنهم يتبعون سياسة التجويع وهو فخ لا يجوز الوقوع فيه».
اقرأ أيضًا..مسئول تمويني: تجاوز نسبة فطر الإرجوت العالمية في القمح ضار بالصحة
في 18 يونيو 1965 أرسل الاتحاد السوفيتي رسالة يقول فيها «إن الأوامر صدرت إلى عدد من البواخر التي كانت في البحر الأبيض متوجهة إلى ميناء «أوديسا» حاملة شحنات من القمح بأن تغير مسيرة وتتجه فورًا إلى الإسكندرية وتفرغ حمولتها هناك تلبية لطلب قيادة الجمهورية العربية المتحدة «مصر في تلك الفترة».
بعد أكثر من أربعة عقود عادت الأزمة مرة أخرى ولكن تلك المرة مع روسيا، الحليف الذي أنقذ القاهرة ذات يوم وأمر مراكبه أن تتجه إلى الإسكندرية.
شاهد.. «الزراعة»: لا مقايضة في دخول قمح «الإرجوت»
وبدأت تلك الأزمة حين قرر الدكتور عصام فايد في 11 يوليو الماضي السماح بدخول رسائل القمح المصابة بالفطر بنسبة 0.05% وفق دستور الأغذية العالمى "كودكس".
وأدى هذا القرار إلى إثارة لغط كبير دفع عيد حواش المستشار الإعلامي لوزير الزراعة إلى التأكيد أن القرار يتماشى مع دستور الغذاء العالمي وبناء على توصية صادرة من مجلس الوزراء بتاريخ 21 يونيو 2016.
وبناءً على هذا القرار حظرت الهيئة الفيدرالية الروسية للرقابة البيطرية والصحة النباتية، استيراد الفاكهة والخضراوات من مصر اعتبارا من 22 سبتمبر الجاري، عقب رفض القاهرة قمحا روسيا بسبب فطر الإرجوت.
ولم تكشف الهيئة عن قائمة المنتجات التي تحظرها، لكنها قالت إن مخاوفها ثارت بسبب «المخالفة الممنهجة للمتطلبات الدولية والمتعلقة بالصحة النباتية» من جانب القاهرة قبل بدء موسم تصدير المنتجات الزراعية المصرية إلى روسيا.
شاهد أيضًا..نجيب ساويرس:«يا نطنش على الإرجوت.. يا مفيش قمح»
لم يقف الأمر عند هذا القرار فقط فمصادر داخل وزارة الزراعة كشفت لـ«فيتو» أن الأمر برمته لعبة من مستوردي الحبوب أصحاب المصلحة الأولى في استيراد القمح المصاب بالإرجوت نظرًا لانخفاض سعره مقارنة بالأنواع الأخرى، وهم من يشجعون موسكو على الضغط على القاهرة بمثل تلك القرارات.
وبين الأزمتين الروسية والأمريكية أكد البعض أن «القمح» سيظل "دراع مصر المكسور" الذي يجب أن يعالج من خلال الاكتفاء الذاتي منه.