رئيس التحرير
عصام كامل

حصار مصر


تفرض علينا الجغرافيا السياسية أن نعيش حالة من التأهب القصوى دوما سواء كنا ننعم بسلام أو نعيش حالة حرب.. تقول الوقائع التاريخية إن مصر عاشت في هذه الحالة على مدى تاريخها غير أن الواقع الحالي يفرض علينا ماهو أبعد من ذلك.. تشير الشواهد إلى أن الواقع الجغرافي الجديد لعالم اليوم يتشكل، وفي مراحل تشكيله يهضم دولا وينسف أخرى ويهمش ثالثة.


هذا الواقع تظهر ملامحه بوضوح ليس في سوريا وحدها ولا العراق قبلها ولا اليمن بعدهما.. تحولات تركيا، وتحركات روسيا، وخلخلة أمريكا، وعزوف أوروبا، وإعادة ترتيب خطوط الطول والعرض، وسيادة مفاهيم جديدة للمواطنة والسيادة، ونوعية الحروب الجديدة كلها أصبحت واقعا ليس بحاجة إلى خبراء تستقرأه أو تحاول استنباط وجوهه الجديدة.

حصار مصر اقتصاديا واحد من أهم معالم المرحلة فالسائح الذي تدعوه بلاده لزيارة تركيا وهي في أتون حرب حقيقية هو ذاته الممنوع من زيارة مصر التي تنعم بهدوء واستقرار لا ينكرهما إلا جاحد، ومعركة الدولار التي تقودها جماعة ارتبطت بالشيطان الأكبر في واشنطن، وعدد من عواصم أوروبا، وقليل من عواصم عربية، وضرب المنتجات المصرية المصدرة بالشائعات في أمريكا وغيرها كلها أدوات حرب جديدة لن تستسلم إلا أمام إرادة حقيقية لا تهن ولا تضعف.

الأمر بحاجة إلى التفاف وطني يواجه المعركة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، ولن يتحقق ذلك دون لُحمة اجتماعية تقوى على المواجهة.. التفاف يفرض على صانع القرار أن يجمع حوله كل القوى الوطنية وكل الأطياف السياسية دون إقصاء أو تهميش أو إبعاد.. هذا الواقع يفرض أيضا على النخبة أن تتحول من منحنى النقد المتواصل إلى طريق المعارضة البناءة.. معارضة تبني ولا تهدم.. وتصف الدواء لكل داء.. وتساهم بكل ما تملك في مواجهة الأزمة.

معركة مصر الآنية تفرض أيضا على النظام أن يفكر جديا في تغيير بعض أنماط التعاطي مع القوى السياسية في المجتمع المصري، والإنصات جيدا لها؛ لتتحمل مسئولياتها بعيدا عن منهج الألتراس في التشجيع، وهو النموذج الذي يحول كل جيد إلى مخيف ومرعب.. الأمل أن نكون يدًا واحدة في مواجهة أيادٍ كثيرة تسعى للنيل منا.
الجريدة الرسمية