قرض دولي لأجل مارتن يول
القاسم المشترك بين توقعات مصريين لحال اقتصاد بلدهم بعد حصول الحكومة على قرض دولي، من صندوق النقد بقيمة 12 مليار دولار لقاء خطة "إصلاح" يستوحى النظام ملامحها من يناير 1977، وتوقعات مشجعين للنادي الأهلي لمستقبل الفريق بعد رحيل مارتن يول، الذي كلف ومن معه خزينة النادي أكثر من مليون ونصف المليون جنيه شهريًا، هو الشعور بالفشل المطلق في إدارة الموارد وعدم تقدير من بيدهم القرار لخطورة الاعتماد على "الخلطات الجاهزة".
فدائمًا ما تعتمد الحكومات الفاشلة على الاستدانة والقبول معها بأجندات المدين ومحاولة إقناع شعوبها بنتائجها مسبقًا، في حين لم يعرف العالم الثالث بنكًا أو صندوقًا دوليًا متهورًا دون شروط يمليها على المقترض، والنتائج والتداعيات يحفظها التاريخ بين سطوره، خاصة للدول التي تخلت عن الإنتاج والمعرفة والعلم وأصلت لمفاهيم وثقافات استهلاكية "شفط" أربابها عوائدها لحساباتهم المتضخمة لقاء عمولات لمن دعموا خططهم.
مراجعة بسيطة لأحكام قضائية أعادت للمصريين شركات جرى تخريبها ونهبها بشكل منظم قبل بيعها بطرق مشبوهة للأجنبي وإسقاط صناعات بعينها من حسابات "العام" لصالح الاستثمار الزائف المدعوم بقوانين مكنت حيتانه من احتكار سلع ومنتجات وضرب الأسعار التنافسية لها على حساب غير القادرين، لتصبح الدولة واقعة في عرض مجموعة من رجال الأعمال باتت دعوات الرئيس لهم للتبرع لصناديق هنا وهناك، أقرب إلى "العادة الموسمية" التي عشقوا ممارستها مقابل ما يتحقق لهم من امتيازات.
الحال كذلك مع نموذج الخواجة الأجنبي الذي يجري استقدامه لتدريب فريق عريق، لا يملك مع الوعد ببطولاته إلا مطالبة إدارة النادي بإهمال الاعتماد على مفرخة الناشئين، وتصفية نجوم الفرق الأخرى وشرائهم "على الجاهز" لضمان حصد الألقاب والسيطرة على الرعايات، حدث ذلك مع البرتغالي جوزيه، قبل أن يتكرر خلال العام الجاري مع الباشا مارتن يول الذي يعرف من أين تؤكل الكتف، فلم يسأل ساعة استقدامه قبل أشهر عن غير أمرين، المقابل المادي والوضع الأمني لبلد يزعم خشيته على حياته داخله، وبهدوء استكمل مسيرة سلفه المصري وحصد بتأخر المنافسين بطولة باهتة في موسم بلا جمهور أو متعة.
ربما كانت حجج الإدارة في تمرير قبول راتبه المبالغ فيه بطريقة تستفز مدبري ثمن كوب الشاي على مقهى لمشاهدة مباريات الفريق، إن رجال أعمال يحبون النادي سيتحملون قيمة جزء من راتبه، وكأن خزينة النادي تشبه صندوق دعم دولة يردد نظامها نداءاته تمامًا لمواطنيها وصفوة أصحاب البيزنس فيها للتبرع، لكن المحصلة متشابهة حد التطابق، لا متعة ولا إنجاز حقيقي على الأرض يضاهي حجم التضحيات وتكلفة ما يتحمل المواطنون "الجمهور" من أعباء مادية ونفسية.
الخلطة الجاهزة غير المقنعة لمارتن الذي أدار الفريق بنظرية "يوم بيوم"، ومدرب الأحمال المرافق له بتكلفة وصلت 300 ألف جنيه شهريًا تقريبًا مع تباين سعر الدولار، لم تقدم لنا فريقًا قادرًا على الوقوف والصمود والإنجاز، كحال الخلطات التي أفسدت حكومات حياتنا بها مع منح ومعونات وودائع عربية، قبل أن تقرر استيراد بدائل لها مع اللجوء لقرض دولي، يتوقع معه كثيرون تنازلات جديدة عن حقوق موارد بشرية في العمل، وملكيات مصريين لشركات توقعوا عودتها للتشغيل بعد أحكام قضائية وثورتين.
لا تفهم حكومة البلاد، ولا إدارة الأهلي أن الاقتراض لأجل العيش بشروط الخواجة، ولو كان مارتن يول، في ظروف تتعطل فيها السواعد المصرية بفعل فاعل، وتتوقف فيها المزارع والمصانع والماكينات عن الإنتاج بفعل متآمرين حمقى، لا يقبله مصري مؤمن بأن الدين ذلُ ولو درهم والسؤال ذلُ ولو أين الطريق.