رئيس التحرير
عصام كامل

غزوة الإحباط على ضفاف القناة


الجالس على منصة الاحتفال يطالع صفحة المياه الزرقاء، المواجهة من تفريعة القناة الجديدة وسفن الحاويات تشكل مدنا تتحرك فوق تلك الصفحة، وسارينات العابرين تطغى أحيانا على صوت المتحدث في رسائل مشاركة يبعث بها القباطنة، وإلى المصريين المحتفلين صباح السبت الماضى على الضفة الشرقية من قناة السويس بمرور ٦٠ عاما على تأميمها، وسنة أولى تفريعة جديدة، في حين انهمك نسور الجو المصريين برسم العلم المصري بألوانه الثلاثة في سماء الاحتفالية.


لم يقطع عن الحضور تواصلهم مع كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلا صافرات ناقلات البضائع الألمانية، والأمريكية، والصينية، تعبر بين قارات العالم، حاملة الخير، والسلام، والمحبة، عبر شريان الحياة المصرى، في حين كان الرئيس منشغلا برسائل جديدة يبعث بها إلى الشعب المصرى، فيما أسماه هذه المرة بـ«الإنجاز والتشكيك» مفضلا أن يضغط على الوتر الحساس، في قضية الإحباط التي يروج لها البعض عن غير قصد أو بعمد حسب تعبير عبد الفتاح السيسي.

مخرج التليفزيون المصري أيمن الحبال سبقنا إلى موقع الاحتفال بأربعة أيام، وضع خلالها لمسات فنية، بدت إبداعية نقلت الحدث من عدة مواقع، ليؤكد من جديد أن التليفزيون المصري قادر -عندما يريد- أن يكون على قدر المسئولية.. كاميرات محمولة وأخرى طائرة، وثالثة عابرة لأنفاق سيشهد التاريخ أنها وضعت سيناء في قلب القاهرة، والرئيس يصر على أن يطرق باب المحبطين، ويشخص الحالة العامة بأنها إنجاز ينال منه تشكيك المشككين.

بعث الرئيس برسائل إلى القتلة، ومحاولتهم الدنيئة ضد شيخ الإسلام المعتدل الدكتور على جمعة، منطلقا من هذا الحادث المروع إلى شعار "إما نحكمكم أو نقتلكم" غير أنه يرسل بما هو مفاجأة، عندما يقول "مع أن الوطن يمكنه أن يسع الجميع".. هل تعد تلك العبارة استعداد نظام ٣٠ يونيو للمصالحة.. قد أكون فهمت الرسالة على نحو خاطئ إلا أنها تحتمل ذلك التأويل الذي طرحه البعض خلال فترة ماضية، ووجد فيه مقاومة شعبية لمصالحة القاتل المصر على القتل طريقا ومنهجا وسبيلا.

دخل الرئيس إلى منطقة حوار يدور همسا: هل يقوم الجيش بكل شيء؟.. رسالة الرئيس واضحة المعالم والمعاني، الجيش يقوم بما يفرضه عليه دوره الوطنى في ظل أجواء ضبابية، يبني المدن، ويزرع الأرض، ويواجه غول الأسعار، نعم يقوم بذلك، لا أعرف لماذا تقمصت دور المنتقدين، فالجيش مؤسسة وطنية تحظى بقبول وحب وإيمان كل أطياف الشعب المصرى، فلا تنهكوها فيما يجب أن يقوم بها غيرها.. لا تضعوها في مناطق نختلف عليها ونتفق، لأن الجيش مؤسسة لايختلف عليها.

يقول الرئيس وبثقة: إننا نمضي في الطريق السليم، وإن التحديات لا بد وأن نحتملها جميعا، لأنه لا خروج من الأزمة دون أن يتحملها شعب مصر العظيم، ولسان حال البعض يرد: ياسيادة الرئيس.. كلنا ثقة في إخلاصك، غير أننا نرى حكومة مترهلة، مترددة، متكاسلة، تنتظر التعليمات في زمن انتهى فيه عصر التعليمات، ويجب أن تحركنا فيه بنود العهد بين الحكومة وبرلمان الشعب، كل يؤدي دوره حسب تقديره للتحديات.

يتطرق الرئيس إلى مدن تبنى، وأنفاق تحفر، وطرق تعبد، وأراض تزرع، والمتربصون يقفون على قارعة الطريق، ينسجون أنوال الفتنة بين المصريين هنا وهناك، ولسان حال الوطنيين المنتقدين يقول: من ينكر البناء الحاصل في بر مصر جاحد، يرتدى نظارة سوداء غير أن البناء الاقتصادي الأصح لا بد أن ينطلق من التطرق إلى إدارة رشيدة للإنتاج: الصناعي، الزراعي، السياحي.. إنتاج ما ينتج عملة صعبة، نواجه بها المتربصون، والمخططون، والمتآمرون، وهذا الملف ياسيادة الرئيس بحاجة إلى عملية اقتحام من عملياتك.

يتغلب التصفيق على صوت الرئيس، عندما نرى في سماء سيناء نسور مصر ينفذون واحدة من عملياتهم الاستعراضية المدهشة، يصمت الرئيس، تمضي من خلفه سفينة عملاقة، كُتب على حاوياتها انتماؤها الوطني "هامبورج".. يواصل الرئيس طرقه على الأبواب الصعبة ضد المنتقدين لتسليح الجيش، مشيرا إلى محيطنا الهادر بالأمواج الصعبة، هنا تمضي من خلفه الميسترال.. حاملة الطائرات المصرية «جمال عبد الناصر».. تحمل على متنها طائرات هليكوبتر، وتزينها في سماء العرض طائرتان تحلقان من فوقها.. يعلو صوت التصفيق ليصبح الرد الشعبي الممثل فوق منصة الاحتفال أبلغ رد في صالح القوة من أجل الحماية، وليس الإغارة أو العدوان.

كان حديث الرئيس هذه المرة في عمق المضمون، لم يترك استفسارا شعبيا إلا وتناوله، خاصة في المناطق التي كان يراها البعض همسا غير ناطق، همسا من الأفواه إلى الآذان، صوت الإذاعي الكبير على مراد يأتي موجها السؤال لى حول دور القناة الجديدة واحتفالية اليوم وما تحمله من مضامين فأقول وبإيمان بما أقول: ليست القضية في التفريعة الجديدة، وإنما أراها في تواصل بين ١٩٥٦ و٢٠١٥، تواصل أجيال على التطوير الذي تفرضه الظروف العالمية، فالعالم يشهد نشوء طرق جديدة، تهدد دور القناة، فكان لا بد وأن يتسم مجرى الحياة المصري بديناميكية تشهد له بالبقاء، مؤثرا، ومهما، وحيويا، وضروريا.

وأضيف: إذا أردنا التواصل، فإننا يجب أن ننهي فكرة أن القناة أقصر طريق بين قارات العالم، فالقناة كائن حي ينبض كل يوم بما هو جديد، القناة ستكتسب عمقا وأثرا آخر بعد تنفيذ مشروع التنمية.. مشروع التنمية سيجعل القناة كائنا حيا أكبر من كونه نقطة تواصل بين قارات العالم، قناة السويس ليست طريقا بين عدة نقاط، بل يجب أن تكون نبتا ينمو كل يوم، ويفيض على البشرية بإسهام حضاري يليق بمصر، وتاريخها، وحضاراتها، وتضحياتها.

ينتهى الاحتفال بنادي الفيروز، تلك البقعة النابضة بالحياة وسط صحاري شرق القناة، التي تشكو منذ آلاف السنين هجر أهلها وقسوة أبنائها.. ينتهي الاحتفال بغزوة تفاؤلية ضد الإحباط، ينتهي الاحتفال ويبقى أن نكرر ونؤكد للرئيس أن معظم المنتقدين وطنيون أحبوك وانتخبوك وشاركوك ثورة ٣٠ يونيو، وتفرض علينا ظروفنا الراهنة أن نلتقي لنختلف، ونختلف، لأن مصر وطن يستحق أن نختلف من أجله ولا نختلف عليه.

الجريدة الرسمية